للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحَلتُك جِذاذَ عِشرين وَسقًا، فلو كُنْتِ جَذذتيه واحتَزتيه كانَ لك، وإنَّما هو اليَومَ مالُ وارِثٍ» (١).

قالوا: وذلك الحَديثُ المُرادُ به النَّدبُ، والدَّليلُ على ذلك أنَّ في بعضِ رِواياتِه «ألستَ تُريدُ أنْ يَكونوا لك في البِرِّ واللُّطفِ سَواءً؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فأشهِدْ على هذا غيري».

وأمَّا مالِكٌ فإنَّه رأى أنَّ النَّهيَ عن أنْ يَهبَ الرَّجلُ جَميعَ مالِه لواحدٍ من وَلدِه هو أحرى أنْ يُحملَ على الوُجوبِ، فأوجَبَ عندَه مَفهومُ هذا الحَديثِ النَّهيَ عن أنْ يَخصَّ الرَّجلُ بعضَ أولادِه بجَميعِ مالِه.

فسَببُ الخِلافِ في هذه المَسألةِ مُعارضةُ القياسِ للَفظِ النَّهيِ الوارِدِ، وذلك أنَّ النَّهيَ يَقتَضي عندَ الأكثَرِ بصيغَتِه التَّحريمَ، كما يَقتَضي الأمرُ الوُجوبَ، فمَن ذهَبَ إلى الجَمعِ بينَ السَّماعِ والقياسِ حمَلَ الحَديثَ على النَّدبِ أو خصَّصَه في بعضِ الصُّورِ كما فعَل مالِكٌ، ولا خِلافَ عندَ القائِلينَ بالقِياسِ أنَّه يَجوزُ تَخصيصُ عُمومِ السُّنةِ بالقياسِ، وكذلك العُدولُ بها عن ظاهِرِها، أعني أنْ يَعدلَ بلَفظِ النَّهيِ عن مَفهومِ الحَظرِ إلى مَفهومِ الكَراهيةِ.

وأمَّا أهلُ الظاهِرِ فلمَّا لم يَجزْ عندَهم القياسُ في الشَّرعِ اعتَمَدوا ظاهِرَ الحَديثِ، وقالوا بتَحريمِ التَّفضيلِ في الهِبةِ (٢).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تقدم.
(٢) «بداية المجتهد» (٢/ ٢٤٦)، ويُنظَرُ: «شرح السنة» (٨/ ٢٩٧، ٢٩٨)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٤/ ١٤٢، ١٤٤)، و «فتح الباري» (٥/ ٢١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>