وذهَبَ الحَنابِلةُ وهو اختيارُ شَيخِ الإِسلامِ ابنِ تَيميةَ إلى أنَّه يَجبُ على الإِنسانِ أنْ يُسوِّيَ بينَ أولادِه في العَطيةِ إذا لم يَخصَّ أحدَهم بمَعنًى يُبيحُ التَّفضيلَ؛ فإنْ خَصَّ بَعضَهم بعَطيتِه أو فاضَلَ بينَهم فيها أثِمَ ووجَبَت عليه التَّسويةُ بأحدِ أمرَيْن:
إمَّا برَدِّ ما فضَّلَ به بَعضَهم، وإما بإتمامِ نَصيبِ الآخَرينَ ولو في مَرضِ المَوتِ حتى يَستَووا بمَن خصَّه أو فضَّلَه، ويَنبَغي أنْ يَكونَ على الفَورِ، كما لو زوَّجَ أحدَ بَنيه في صِحتِه وأدَّى عنه الصَّداقَ، ثم مرِضَ الأبُ مَرضَ المَوتِ المَخوفِ؛ فإنَّه يُعطي ابنَه الآخَرَ كما أعطَى الأولَ -على الصَّحيحِ كما سيأتي- ليَحصُلَ التَّعديلُ بينَهما، ولا يُمكنُ الرُّجوعُ هنا؛ لأنَّ الزَّوجةَ ملَكَت الصَّداقَ بالعَقدِ، ولا يُحسَبُ ما يُعطيه الأبُ من ابنِه الثانِي من الثُّلثِ مع أنَّه عَطيةٌ في مَرضِ المَوتِ؛ لأنَّه تَدارُكٌ للواجِبِ أشبَهَ قَضاءَ الدَّينِ، والرُّجوعُ المَذكورُ -أي: رُجوعُ المُخصِّصِ أو المُفضِّلِ بعدَ القَبضِ- يَختصُّ بالأبِ دونَ الأُمِّ وغيرِها، كالجَدِّ والابنِ والإِخوةِ والأَعمامِ.
والدَّليلُ على وُجوبِ التَّسويةِ بينَ الأولادِ ما رَواه البُخاريُّ عن حُصَينٍ عن عامِرٍ قالَ: سمِعتُ النُّعمانَ بنَ بَشيرٍ ﵄ وهو على المِنبَرِ يَقولُ: أَعطاني أَبي عَطيةً. فقالَت عَمرةُ بِنتُ رَواحةَ: لا أرضَى حتى تُشهدَ رَسولَ اللهِ ﷺ. فأتى رَسولَ اللهِ ﷺ فقالَ: إنِّي أعطَيتُ ابني من عَمرةَ بِنتِ رَواحةَ عَطيةً فأمرَتْني أنْ أُشهِدَك يا رَسولَ اللهِ. قالَ: