وفي رِوايةٍ:«إنَّ لبَنيكَ عليك من الحَقِّ أنْ تَعدلَ بينَهم، فلا تُشهِدْني على جَورٍ» فهذه الأَلفاظُ كلُّها مع قَولِه: «أشهِدْ على هذا غَيري»، دَليلٌ واضِحٌ على جَوازِ العَطيةِ، وأمَّا رِوايةُ مَنْ رَوى عن الشَّعبيِّ عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ في هذا الحَديثِ:«أكُلَّ وَلدِك أعطَيتَه؟» قالَ: لا. قالَ:«فإنِّي لا أشهَدُ إلا على حَقٍّ» وكذلك رِوايةُ جابِرٍ عن النَّبيِّ ﷺ في قِصةِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ هذه، فيَحتملُ ألَّا يَكونَ مُخالِفًا لما تقدَّمَ؛ لاحتِمالِه أنْ يَكونَ أرادَ الحَقَّ الذي لا تَقصيرَ فيه عن أَعلى مَراتبِ الحَقِّ، وإنْ كانَ ما دونَه حَقًّا، صَحَّ بهذا كلِّه مَذهبُ مالِكٍ والثَّوريِّ والشافِعيِّ ومَن قالَ بقَولِهم في استِحبابِ تَركِ التَّفضيلِ بينَ الأَبناءِ في العَطيةِ، وإِمضائِه إذا وقَعَ؛ لأنَّ غايةَ ما في ذلك تَركُ الأفضَلِ، كما لو أَعطى لغيرِ رَحمِه وترَكَ رَحمَه كانَ مُقصِّرًا عن الحَقِّ وتاركًا للأفضَلِ، ونفَذَ مع ذلك فِعلُه (١).