للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قالَ أَبو عُمرَ: أكثَرُ الفُقهاءِ على أنَّ مَعنى هذا الحَديثِ النَّدبُ إلى الخَيرِ والبِرِّ والفَضلِ، لا أنَّ ذلك واجِبٌ فَرضًا ألَّا يُعطيَ الرَّجلُ بعضَ وَلدِه دونَ بَعضٍ على ما ذهَبَ إليه أهلُ الظاهِرِ، والدَّليلُ على أنَّ ذلك كذلك على النَّدبِ لا على الإِيجابِ، مما احتَجَّ به الشافِعيُّ وغيرُه إِجماعُ العُلماءِ على جَوازِ عَطيةِ الرَّجلِ مالَه لغيرِ وَلدِه، فإذا جازَ أنْ يُخرجَ جَميعَ وَلدِه عن مالِه جازَ له أنْ يُخرجَ عن ذلك بَعضَهم.

وأمَّا قِصةُ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ هذه فقد رُويَ في حَديثِه أَلفاظٌ مُختلفةٌ أكثَرُها تَدلُّ على أنَّ ذلك على النَّدبِ لا على الإِيجابِ، منها قَولُ النَّبيِّ : «أعطَيتَ سائِرَ وَلدِك مِثلَ هذا؟» قالَ: لا. قالَ: «فاتَّقوا اللهَ واعدِلوا بينَ أولادِكم». قالَ: فرجَعَ فرَدَّ عَطيَّتَه (١)، فلم يَذكرْ في هذا الحَديثِ أنَّ رَسولَ اللهِ أمرَه أنْ يَرجعَ في عَطيَّتِه، وإنَّما فيه رجَعَ فَردٌ عن عَطيَّتِه.

وفي رِوايةٍ قالَ: «هذا جَورٌ»، وقالَ بَعضُهم: «هذه تَلجئةٌ، فأشهِدْ على هذا غيري»، وقالَ المُغيرةُ في حَديثِه: «أليس يَسرُّك أنْ يَكونوا في البِرِّ واللُّطفِ سَواءً؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فأشهِدْ على هذا غيري»، وذكَرَ مُجالِدٌ في حَديثِه: «إنَّ لهم عليكَ من الحَقِّ أنْ تَعدلَ بينَهم كما أنَّ لكَ عليهم من الحَقِّ أنْ يبَرُّوك».


(١) أخرجه البخاري (٢٤٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>