للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدَلَّ الجُمهورُ على جَوازِ التَّفضيلِ وعلى إِعطاءِ بعضِ الأَبناءِ دونَ بَعضٍ بقِصةِ أبي بَكرٍ لمَّا نحَلَ عائِشةَ دونَ سائِرِ وَلدِه، فرَوى الإمامُ مالِكٌ عن ابنِ شِهابٍ عن عُروةَ بنِ الزُّبيرِ عن عائِشةَ زَوجِ النَّبيِّ أنَّها قالَت: «إنَّ أبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ نحَلَها جِدادَ عِشرين وَسقًا من مالٍ بالغابةِ، فلمَّا حضَرَته الوَفاةُ قالَ: واللهِ يا بُنيةُ ما من الناسِ أحدٌ أحَبُّ إلَيَّ غِنًى بَعدي منكَ، ولا أعَزُّ علَيَّ فَقرًا بَعدي منك، وإنِّي كُنْتُ نحَلتُك من مالي جِدادَ عِشرين وَسقًا، فلو كُنْتِ جَددتِيه واحتَزتيه كانَ لك ذلك، وإنَّما هو مالُ الوارِثِ، وإنَّما هو أخواك وأُختاك، فاقتَسِموه على كِتابِ اللهِ. فقالَت: يا أبتِ واللهِ لو كانَ كذا وكذا لتَركتُه، إنَّما هو أَسماءُ، فمَن الأُخرى، قالَ: ذو بَطنٍ بِنتُ خارِجةَ أراها جارِيةً» (١).

واحتَجُّوا على ذلك أيضًا بقَولِ النَّبيِّ لبَشيرِ بنِ سَعدٍ: «أشهِدْ على هذا غيري»، فهذا يَدلُّ على أنَّه ليسَ بحَرامٍ؛ لأنَّه لو كانَ حَرامًا أو باطِلًا لمَا قالَ هذا الكَلامَ، وهو لا يأمُرُ بالإشهادِ على الباطِلِ، إلا أنْ يَتبيَّنَ أنَّه فِرارٌ من فَرائِضِ اللهِ تَعالى.

ولأنَّه تَصرُّفٌ في خالِصِ مِلكِه لا حَقَّ لأحَدٍ فيه، ولأنَّ الإِجماعَ مُنعقِدٌ على أنَّ للأبِ أنْ يَهبَ بعضَ مالِه لأجنَبيٍّ ولا يُعطيَ وَلدَه شَيئًا، فإذا اختارَ أنْ يُعطيَ أجنَبيًّا ويَحرِمَ وَلدَه كلَّهم كانَ له أنْ يُعطيَ بَعضَهم ويَحرِمَ بَعضَهم.


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الإمام مالك في «الموطأ» (١٤٣٨)، والبيهقي في «الكبرى» (١١٧٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>