للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في صَدقتِه كالعائِدِ في قَيئِه»، والأخذُ بعُمومِ اللَّفظِ أَولى من التَّمسُّكِ بخُصوصِ السَّببِ.

فإنْ قيلَ: فإنَّ اللَّفظَ لا يَتناولُ الشِّراءَ؛ فإنَّ العَودَ في الصَّدقةِ استِرجاعُها بغيرِ عِوضٍ وفَسخٍ للعَقدِ كالعَودِ في الهِبةِ، والدَّليلُ على هذا قَولُ النَّبيِّ : «العائِدُ في هِبتِه كالعائِدِ في قَيئِه» ولو وهَبَ إِنسانًا شَيئًا ثم اشتَراه منه جازَ.

قُلنا: النَّبيُّ ذكَرَ ذلك جَوابًا لعُمرَ حين سألَه عن شِراءِ الفَرسِ، فلو لم يَكُنِ اللَّفظُ مُتناوِلًا للشِّراءِ المَسؤولِ عنه لم يَكنْ مُجيبًا له، ولا يَجوزُ إِخراجُ خُصوصِ السَّببِ من عُمومِ اللَّفظِ لئلَّا يَخلوَ السُّؤالُ عن الجَوابِ، وقد رُويَ عن جابِرٍ أنَّه قالَ: «إذا جاءَ المُصدِقُ فادفَعْ إليه صَدقتَك، ولا تَشترِها، فإنَّهم كانوا يَقولونَ: ابتَعْها فأقولُ: إنَّما هي للهِ»، وعن ابنِ عُمرَ أنَّه قالَ: «لا تَشترِ طَهورَ مالِكَ»، ولأنَّ في شِرائِه لها وَسيلةً إلى استِرجاعِ شَيءٍ منها؛ لأنَّ الفَقيَر يَستحْيِي منه، فلا يُماكِسُه في ثَمنِها، ورُبَّما رخَّصَها له طَمعًا في أنْ يَدفعَ إليه صَدقةً أُخرى، ورُبَّما علِمَ أنَّه إنْ لم يَبعْه إياها استَرجَعها منه أو توهَّمَ ذلك، وما هذا سَبيلُه يَنبَغي أنْ يُجتنَبَ، كما لو شرَطَ عليه أنْ يَبيعَه إِياها.

وهو أيضًا ذَريعةٌ إلى إِخراجِ القيمةِ، وهو مَمنوعٌ من ذلك، أمَّا حَديثُهم فنَقولُ به، وأنَّها تَرجعُ إليه بالمِيراثِ، وليسَ هذا مَحلَّ النِّزاعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>