وقالَ الشافِعيُّ وغيرُه: يَجوزُ؛ لقَولِ النَّبيِّ ﷺ: «لا تَحلُّ الصَّدقةُ لغَنيٍّ إلا لخَمسةٍ … رَجلٍ ابتاعَها بمالِه».
ورَوى سَعيدٌ في سُننِه «أنَّ رَجلًا تصَدَّق على أُمِّه بصَدقةٍ ثم ماتَت، فسألَ النَّبيَّ ﷺ فقالَ: «قد قبِلَ اللهُ صَدقتَك ورَدَّها إليكَ المِيراثُ» وهذا في مَعنى شِرائِها، ولأنَّ ما صَحَّ أنُ يُملكَ إِرثًا صَحَّ أنْ يُملكَ ابتِياعًا كسائِرِ الأَموالِ.
ولنا: ما رَوى عُمرُ أنَّه قالَ: حمَلتُ على فَرسٍ في سَبيلِ اللهِ، فوجَدَه عندَ صاحِبِه وقد أضاعَه وكانَ قَليلَ المالِ، فأرادَ أنْ يَشتريَه، فأَتى رَسولَ اللهِ ﷺ فذكَرَ ذلك له، فقالَ: «لا تَشترِه وإنْ أُعطيتَه بدِرهمٍ، فإنَّ مَثَلَ العائِدِ في صَدقتِه كمَثَلِ الكَلبِ يَعودُ في قَيئِه» (١) مُتَّفقٌ عليه.
فإنْ قيلَ: يَحتملُ أنَّها كانَت حَبسًا في سَبيلِ اللهِ فمنَعَه لذلك، قُلنا: لو كانَت حَبسًا لمَا باعَها للذي في يَدِه ولا هَمَّ عُمرُ بشِرائِها، بل كانَ يُنْكِرُ على البائعِ ويَمنعُه؛ فإنَّه لم يَكنْ يُقرُّ على مُنكرٍ فكيف يَفعلُه ويُعينُ عليه؟! ولأنَّ النَّبيَّ ﷺ ما أنكَرَ بَيعَها، إنَّما أنكَرَ على عُمرَ الشِّراءَ مُعلِّلًا بكَونِه عائِدًا في الصَّدقةِ.
الثاني: أنَّنا نَحتجُّ بعُمومِ اللَّفظِ من غيرِ نَظرٍ إلى خُصوصِ السَّببِ؛ فإنَّ النَّبيَّ ﷺ قالَ: «لا تَعُدْ في صَدقتِك» أي: بالشِّراءِ، «فإنَّ العائِدَ
(١) أخرجه مسلم (١٦٢١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute