للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: كلُّ العُلماءِ يَقولونَ: إذا رجَعَت إليه بالمِيراثِ طابَتْ له إلا ابنَ عُمرَ والحَسنَ بنَ حَيٍّ، وليسَ البَيعُ في مَعنى المِيراثِ؛ لأنَّ المِلكَ ثبَتَ بالميراثِ حُكمًا بغيرِ اختيارِه، وليسَ بوَسيلةٍ إلى شَيءٍ مما ذكَرنا، والحَديثُ الآخَرُ مُرسلٌ، وهو عامٌّ، وحَديثُنا خاصٌّ صَحيحٌ، فالعَملُ به أَولى من كلِّ وَجهٍ.

فَصلٌ: فإنْ دعَت الحاجةُ إلى شِراءِ صَدقتِه مِثلَ أنْ يَكونَ الفَرضُ جُزءًا من حَيوانٍ لا يُمكنُ للفَقيرِ الانتِفاعُ بعَينِه ولا يَجدُ مَنْ يَشتريه سِوى المالِكِ لباقيه، ولو اشتَراه غيرُه لتَضرَّرَ المالِكُ بسُوءِ المُشاركةِ، أو إذا كانَ الواجِبُ في ثَمرةِ النَّخلِ والكَرمِ عِنبًا ورُطبًا فاحتاجَ الساعِي إلى بَيعِها قبلَ الجِذاذِ، فقد ذكَرَ القاضِي أنَّه يَجوزُ بَيعُها من رَبِّ المالِ في هذا المَوضعِ، وكذلك يَجيءُ في الصُّورةِ الأُولى وفي كلِّ مَوضعٍ دعَت الحاجةُ إلى شِرائِه لها؛ لأنَّ المَنعَ من الشِّراءِ في مَحلِّ الوِفاقِ إنَّما كانَ لدَفعِ الضَّررِ عن الفَقيرِ، والضَّررُ عليه في مَنعِ البَيعِ ههنا أعظَمُ، فدَفعُه بجَوازِ البَيعِ أَولى (١).

وقالَ ابنُ القَيمِ : الوَجهُ الثانِي والتِّسعونَ أنَّه نَهى المُتصدِّقَ عن شِراءِ صَدقتِه، ولو وجَدَها تُباعُ في السُّوقِ سَدًّا لذَريعةِ العَودِ فيما خرَجَ عنه ولو بعِوضِه؛ فإنَّ المُتصدِّقَ إذا مُنعَ من تَملُّكِ صَدقتِه بعِوضِها فتَملُّكُه إياها بغيرِ عِوضٍ أشَدُّ مَنعًا وأفطَمُ للنُّفوسِ عن تَعلُّقِها بما خرَجَت عنه للهِ، والصَّوابُ ما حكَمَ به النَّبيُّ من المَنعِ من شِرائِها مُطلقًا،


(١) «المغني» (٢/ ٢٧١، ٢٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>