وقالَ مالِكٌ: البَيعُ باطِلٌ استِدلالًا بحَديثِ عُمرَ ﵁ ونَهيِ النَّبيِّ ﷺ له أنْ يَعودَ في صَدقتِه.
والدِّلالةُ على جَوازِه ما رُويَ عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قالَ: «لا تَحلُّ الصَّدقةُ لغَنيٍّ إلا لخَمسةٍ، وذكَرَ منهم رَجلًا اشتَراها بمالِه» فكانَ على عُمومِه، ولأنَّ عَودَها إليه بغيرِ المَعنى الذي تَملكُه عليه غيرُ مَمنوعٍ منه، ألَا تَرى أنَّها لو عادَت إليه مِيراثًا جازَ؛ لمَا رُويَ أنَّ رَجلًا تصَدَّق على أَبيه بحَديقةٍ فماتَ فرجَعَت إليه، فقالَ النَّبيُّ ﷺ: «قُبلَت صَدقتُك وبلَغَت مَحلَّها وصارَ ذلك مِيراثًا»، وإذا جازَ عَودُها إليه بالمِيراثِ جازَ عَودُها بالابتِياعِ، وتَحريرُ ذلك قِياسًا: أنَّ كلَّ ما جازَ أنْ يَملكَه إِرثًا جازَ أنْ يَملكَه ابتِياعًا كسائِرِ الأَموالِ.
فأمَّا حَديثُ عُمرَ ففيه جَوابانِ:
أحدُهما: أنَّ عُمرَ كانَ قد وقَفَ فَرسَه، وشِراءُ الوَقفِ باطِلٌ بوِفاقٍ.
والثاني: أنَّه مَحمولٌ على الكَراهةِ والاستِحبابِ؛ لأنَّ النَّهيَ يَقتَضي كَراهةَ العَقدِ دونَ فَسادِه كالنَّهيِ عن بَيعِ النَّجسِ وأنَّ يَبيعَ الرَّجلُ على بَيعِ أَخيه (١).
وقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وليسَ لمُخرِجِ الزَّكاةِ شِراؤُها ممَّن صارَت إليه، ورُويَ ذلك عن الحَسنِ، وهو قَولُ قَتادةَ ومالِكٍ، قالَ أَصحابُ مالِكٍ: فإنِ اشتَراها لم يَنقضِ البَيعَ.
(١) «الحاوي الكبير» (٣/ ٣٣١، ٣٣٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute