للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّنزيهِ وقَطعِ الذَّريعةِ، ويَدلُّ له قَولُه في الخَمسةِ الذين تَحلُّ لهم الصَّدقةُ: «أو رَجلٍ اشتَراها بمالِه» فلم يَخصَّ المُتصدِّقَ من غيرِه، قالَ: وعِندي أنَّ الخُصوصَ قاضٍ على العُمومِ؛ لأنَّه مُستثنًى منه، فلو قيلَ: لا تَحلُّ الصَّدقةُ لغَنيٍّ إلا لمَن اشتَراها بمالِه ما لم يَكنْ هو المُتصدِّقَ لم يَكنْ مُعارَضًا، فيَستعملُ الحَديثَينِ دونَ رَدِّ أحدِهما، فيَمنعُ المُتصدِّقَ من شِراءِ صَدقتِه.

ولك أنْ تَقولَ: نَعَم، الخُصوصُ قاضٍ على العامِّ، لكنْ لا نُسلِّمُ إِفادتَه الحُرمةَ؛ لأنَّ غايةَ قَولِنا ما لم يَكنْ هو المُتصدِّقَ فلا تَحلُّ له، وعَدمُ الحِلِّ صادِقٌ بالكَراهةِ وإنِ احتَملَها واحتَملَ الحُرمةَ سقَطَ به الاستِدلالُ (١).

قالَ الإمامُ الماوَرديُّ : قالَ الشافِعيُّ : «وأكرَهُ للرَّجلِ شِراءَ صَدقتِه إذا وصَلَت إلى أهلِها ولا أفسَخُه».

قالَ الماوَرديُّ: ولذا كرِهتُ له شِراءَ ما تصَدَّقت به واجِبًا وتَطوُّعًا؛ لمَا رُويَ أنَّ عُمرَ بنَ الخَطَّابِ حمَلَ على فَرسٍ في سَبيلِ اللهِ يُقالُ له الوَردُ، فرآه يُباعُ في السُّوقِ، فأرادَ أنْ يَشتريَه فقالَ له رَسولُ : «لا تَعُدْ في صَدقتِك ولو أعطَيتَها نِصفَين، ودَعْها حتى تَكونَ هي ونِتاجُها لك يَومَ القيامةِ» (٢). ولأنَّه لا يُسامِحُ في ثَمنِها فيَنقُصُ من ثَوابِه، ولأنَّه لا يُتبِعُها نَفسَه فيُسترابُ له؛ فإنِ ابتاعَها كانَ البَيعُ جائِزًا، وإنْ كانَ مَكروهًا.


(١) «شرح الزرقاني» (٢/ ١٩٤).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تقَدمَ بلفظٍ قَريبٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>