للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضًا: «أو لرَجلٍ كانَ له جارٌ مِسكينٌ فتصَدَّق على المِسكينِ فأهداها المِسكينُ للغَنيِّ» (١)، وهذا في مَعنى قِصةِ بَريرةَ.

وأمَّا ما يُوجبُه تَهذيبُ الآثارِ في ذلك عندي فللقَولِ بأنَّه لا يَجوزُ شِراءُ ما تصَّدَق به؛ لأنَّ الخُصوصَ قاضٍ على العُمومِ؛ لأنَّه مُستبقٍ منه، ألَا تَرى أنَّه قد جاءَ في حَديثٍ واحدٍ، يَعني «إلا لمَن اشتَراها بمالِه» بما لم يَكنْ هذا المُتصدِّقُ لم يَكنْ كَلامًا مُتدافِعًا ولا مُعارِضًا مُجملَ الحَديثَينِ عِندي، على هذا استِعمالٌ لهما دونَ رَدِّ أحدِهما بالآخَرِ وباللهِ التَّوفيقُ (٢).

وقالَ الزَّرقانِيُّ في شَرحِه على مُوطَّأِ الإمامِ مالِكٍ: قالَ يَحيى: سُئلَ مالِكٌ عن رَجلٍ تصَدَّق بصَدقةٍ فوجَدَها مع غيرِ الذي تصَدَّق بها عليه تُباعُ، أيَشتَريها؟ فقالَ: تَركُها أحَبُّ إلَيَّ؛ إذ لا فَرقَ بينَ اشتِرائِها من نَفسِ مَنْ تصَدَّق بها عليه أو مِنْ غيرِه في المَعنى، لرُجوعِه فيما ترَكَه للهِ تَعالى، كما حرَّمَ اللهُ على المُهاجِرين سُكنَى مَكةَ بعدَ هِجرتِهم منها للهِ ﷿، ولا يُفسخُ البَيعُ إنْ وقَعَ، مع أنَّ النَّهيَ يَقتَضي الفَسادَ للإِجماعِ على ثُبوتِ البَيعِ كما قالَ ابنُ المُنذرِ: قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: لاحتِمالِ أنَّ حَديثَ البابِ على


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (١٦٣٥، ١٦٣٦)، وابن ماجه (١٨٤١)، وأحمد (١١٥٥٥)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٢٣٦٨)، والحاكم في «المستدرك» (١٨٤٠)، ولفظه: «لا تَحلُّ الصَّدقةُ لغَنيٍّ إلا لخَمسةٍ: لغازٍ في سَبيلِ اللهِ، أو لعامِلٍ عليها، أو لغارِمٍ، أو لرَجلٍ اشتَراها بمالِه، أو لرَجلٍ كانَ له جارٌ مِسكينٌ فتَصدَّقَ على المِسكينِ فأهداها المِسكينُ للغَنيِّ».
(٢) «الاستذكار» (٣/ ٢٥٧، ٢٥٨)، و «التمهيد» (٣/ ٢٦٠، ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>