للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبيه فأشهَدَ له على صَدقتِه فليسَ له أنْ يَعتصِرَ شَيئًا من ذلك؛ لأنَّه لا يَرجعُ في شَيءٍ من الصَّدقةِ.

قالَ مالِكٌ: الأمرُ المُجمَعُ عليه عندَنا فيمَن نحَلَ وَلدَه نِحَلًا أو أَعطاه عَطاءً ليسَ بصَدقةٍ أنَّ له أنْ يَعتصرَ ذلك ما لم يَستحدِثِ الوَلدُ دَينًا يُداينُه الناسُ به ويأمَنونه عليه من أجلِ ذلك العَطاءِ الذي أَعطاه أَبوه، فليسَ لأَبيه أنْ يَعتصِرَ من ذلك شَيئًا بعدَ أنْ تَكونَ عليه الدُّيونُ، أو يُعطيَ الرَّجلُ ابنَه أو ابنَتَه فتَنكِحَ المَرأةُ الرَّجلَ، وإنَّما تَنكِحُه لغِناه وللمالِ الذي أَعطاه أَبوه، فيُريدَ أنْ يَعتصِرَ ذلك الأبَ، أو يَتزوجَ الرَّجلُ المَرأةَ قد نحَلَها أَبوها النِّحَلَ إنَّما يَتزوَّجُها ويَرفعُ في صَداقِها لغِناها ومالِها وما أَعطاها أَبوها، ثم الأبُ يَقولُ: أنا أعتَصرُ ذلك، فليسَ له أن يَعتصرَ من ابنِه ولا من ابنَتِه شَيئًا من ذلك إذا كانَ على ما وصَفتُ لك.

قالَ أَبو عُمرَ: قد قُلنا: إنَّ الاعتِصارَ عندَ أهلِ المَدينةِ هو الرُّجوعُ في الهِبةِ والعَطيةِ، ولا أعلَمُ خِلافًا بينَ العُلماءِ في أنَّ الصَّدقةَ لا رُجوعَ فيها للمُتصدِّقِ بها، وكلُّ ما أُريدَ به -من الهِباتِ- وَجهُ اللهِ تَعالى بأنَّها تَجري مَجرى الصَّدقةِ في تَحريمِ الرُّجوعِ فيها، وأمَّا الهِباتُ إذا لم يَقُلِ الواهِبُ فيها: «للهِ» ولا أراد بهِبتِه الصَّدقةَ المُخرَجةَ للهِ ﷿؛ فإنَّ العُلماءَ اختَلفوا في ذلك اختِلافًا كَثيرًا.

فمَذهبُ مالِكٍ فيما ذكَرَه في كِتابِه (المُوطَّأِ) على ما أورَدْناه من

<<  <  ج: ص:  >  >>