للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لشِدةِ الحاجةِ منه إليها، ولأنَّنا وأبا حَنيفةَ قد أجمَعنا على الفَرقِ في الهِبةِ بينَ الأجنَبيِّ وذي الرَّحمِ، فلَأنْ يَكونَ الرُّجوعُ فيها مع ذي الرَّحمِ المُباعِضِ دونَ الأجنَبيِّ أَولى منه أنْ يَكونَ مع الأجنَبيِّ دونَ ذي الرَّحمِ لثَلاثةِ أُمورٍ، أحدُها: النَّصُّ المُعاضِدُ، والثانِي: البَعضيةُ المُمازِجةُ، والثالِثُ: التَّمييزُ بالأَحكامِ المَخصوصةِ، وفي هذه المَعاني جَوابٌ، وجَوابُهم عن الاستِدلالِ بالثَّوابِ فهو أنَّه إذا أُثبتَ بالمالِ فقد وصَلَ إليه البَدلُ فلم يَجزْ أنْ يَصيرَ جامِعًا بينَه وبينَ المُبدلِ، فخالَفَ من لم يَصِلْ إليه البَدلُ على أنَّ ثَوابَ اللهِ تَعالى إنَّما يَستحقُّه في الهِبةِ غيرُ الراجِعِ فيها من الآباءِ (١).

قالَ الشافِعيةُ في المَشهورِ: للأبِ الرُّجوعُ في هِبةِ وَلدِه بالمَعنى الشامِلِ للهَديةِ والصَّدقةِ على الراجِحِ، ولا يَتعينُ الفَورُ بل له ذلك متى شاءَ ولو لم يَحكُمْ به حاكِمٌ، ولو كانَ الوَلدُ فَقيرًا صَغيرًا؛ لعُمومِ قَولِ النَّبيِّ : «لا يَحلُّ لرَجلٍ أنْ يُعطيَ عَطيةً أو يَهبَ هِبةً فيَرجعَ فيها إلا الوالِدَ فيما يُعطي وَلدَه، ومَثَلُ الذي يُعطي العَطيةَ ثم يَرجعُ فيها كمَثَلِ الكَلبِ يأكُلُ فإذا شبِعَ قاءَ ثم عادَ في قَيئِه» (٢) واختُصَّ بذلك لانتِفاءِ التُّهمةِ فيه؛ إذ ما طُبعَ عليه من إيثارِه لوَلدِه على نَفسِه يَقضي بأنَّه إنَّما رجَعَ لحاجةٍ أو مَصلحةٍ، ويُكرهُ الرُّجوعُ من غيرِ عُذرٍ؛ فإنْ وُجدَ ككَونِ الوَلدِ عاقًّا أو يَصرفُه في مَعصيةٍ أنذَرَه به؛ فإنْ أصَرَّ لم يُكرهْ.


(١) «الحاوي الكبير» (٧/ ٥٤٦).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٥٣٩)، والترمذي (١٢٩٨)، والنسائي (٣٩٦٠)، و «ابن حبان في «صحيحه» (٥١٢٣)، والإمام أحمد في «مسنده» (٢١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>