للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختُصَّ الأبُ بذلك لانتِفاءِ التُّهمةِ فيه؛ إذ ما طُبعَ عليه من إِيثارِه لوَلدِه على نَفسِه يَقضي بأنَّه إنَّما رجَعَ لحاجةٍ أو مَصلحةٍ.

قالَ الشافِعيةُ: ويُكرهُ الرُّجوعُ من غيرِ عُذرٍ؛ فإنْ وُجدَ ككَونِ الوَلدِ عاقًّا أو يَصرفُه في مَعصيةٍ أنذَرَه به؛ فإنْ أصَرَّ لم يُكرهْ.

وقالَ النَّبيُّ : «أولادُكم من كَسبِكم، فكُلوا من طِيبِ كَسبِكم (١) فميَّز الوَلدَ من غيرِه وجعَلَه كَسبًا لوالِدِه، فكانَ ما كسَبَه الوَلدُ منه أَولى أنْ يَكونَ من كَسبِه.

قالَ الإمامُ الماوَرديُّ : وقد يَتحرَّرُ من هذا الاعتِلالِ قياسٌ فيُقالُ: لأنَّه وهَبَ كَسبَه لكَسبٍ غيرِ مُعتاضٍ عنه، فجازَ له الرُّجوعُ فيه، كما لو وهَبَ لعَبدِه، ولأنَّ ما للوَلدِ في يَدِ والِدِه لجَوازِ تَصرُّفِه فيه إذا كانَ صَغيرًا وأخَذَ النَّفقةَ منه إذا كانَ كَبيرًا فصارَت هِبةً له، وإنْ خرَجَت عن يَدِه في حُكمِ ما وهَبَه وهو باقٍ في يَدِه، فإذا جازَ أنْ يَرجعَ فيما وهَبَه لغيرِه إذا لم يَقبِضْه لبَقائِه في يَدِه جازَ أنْ يَرجعَ فيما وهَبَه لوَلدِه وإنْ أقبَضَه؛ لأنَّه في حُكمِ الباقِي في يَدِه، وتَحريرُ هذا الاستدِلالِ قِياسًا على أنَّها هِبةٌ يَجوزُ تَصرُّفُه فيها فجازَ له الرُّجوعُ فيها قِياسًا على ما لم يُقبَضْ، ولأنَّ الأبَ لفَضلِ حُنُوِّه تُبايِنُ أَحكامُه أَحكامَ غيرِه، فلا يُعاديه ولا تُقبلُ شَهادتُه له، ويَجوزُ أنْ يَتصرَّفَ في يَدَيه بالتَّزويجِ وفي مالِه بالعُقودِ لفَضلِ الحُنُوِّ وانتِفاءِ التُّهمِ، فجازَ أنْ يُخالِفَ غيرَه في جَوازِ الرُّجوعِ في الهِبةِ؛ لأنَّ انتِفاءَ التُّهمةِ يَدلُّ على أنَّ رُجوعَه فيها


(١) رواه سعيد بن منصور في «سننه» (٢٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>