«هَبي لي بعضَ صَداقِك أو كلَّه»، ثم لم يَمكُثْ إلا يَسيرًا حتى طلَّقَها فرجَعَت فيه، قالَ: يُردُّ إليها إنْ كانَ خلَبَها، وإنْ كانت أعطَتْه عن طِيبِ نَفسٍ ليسَ في شَيءٍ من أمرِه خَديعةٌ جازَ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾ [النساء: ٤](١).
قالَ ابنُ بَطالٍ ﵀: اختَلفَ العُلماءُ في الزَّوجَينِ يَهبُ كلُّ واحِدٍ منهما لصاحِبِه، فقالَ جُمهورُ العُلماءِ: ليسَ لواحدٍ منهما أنْ يَرجعَ فيما يُعطيه للآخَرِ، هذا قَولُ عُمرَ بنِ عبدِ العَزيزِ والنَّخعيِّ وعَطاءٍ ورَبيعةَ، وبه قالَ مالِكٌ واللَّيثُ والثَّوريُّ والكُوفيونَ والشافِعيُّ وأَبو ثَورٍ، وفيها قَولٌ آخَرُ، وهو أنَّ لها أنْ تَرجعَ فيما أعطَته، وليسَ له أنْ يَرجعَ فيما أعطاها، رُويَ هذا عن شُرَيحٍ والشَّعبيِّ والزُّهريِّ، قالَ الزُّهريُّ: ما رأيتُ القُضاةَ إلا يُقيلون المَرأةَ فيما وهَبَت لزَوجِها ولا يُقيلون الرَّجلَ فيما وهَبَ لامرَأتِه. ورَوى عبدُ الرَّزاقِ عن الثَّوريِّ عن سُليمانَ الشَّيبانِيِّ قالَ: كتَبَ عُمرُ بنُ الخَطَّابِ أنَّ النِّساءَ يُعطينَ رَغبةً ورَهبةً، فأيُّما امرَأةٍ أعطَت زَوجَها فشاءَت أنْ تَرجعَ رجَعَت.
والقَولُ الأولُ أحسَنُ لقَولِه ﷾: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾ [النساء: ٤]، ورُويَ عن علِيِّ بنِ أَبي طالِبٍ أنَّه قالَ:«إذا اشتَكى أحدُكم فليَسألِ امرَأتَه ثَلاثةَ دَراهمَ، ويَشتَرِ بها عَسلًا، ويأخُذْ من ماءِ السَّماءِ فيَتداوَ به، فيَجمَعْ هَنيئًا مَريئًا وماءً مُباركًا»، فلو كانَ لهُنَّ فيه رُجوعٌ لم يَكنْ هَنيئًا