للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاختَصَما إلى شُريحٍ، فقالَ للزَّوجِ: شاهِداك أنَّهما رأياها وهَبَت لك من غيرِ كُرهٍ ولا هَوانٍ وإلا فيَمينُها، لقد وهَبَت لك عن كُرهٍ وهَوانٍ» فهذا شُريحٌ قد سألَ الزَّوجَ البَينةَ أنَّها وهَبَت له لا عن كُرهٍ بعدَ ارتِجاعِها في الهِبةِ، فدَلَّ ذلك على أنَّ السُّنةَ لو ثبَتَت عندَه على ذلك لرَدَّ الهِبةَ إليها ولم يُجِزْ لها الرُّجوعَ فيها، وقد كانَ مِنْ رأيِه أنَّ للواهِبِ الرُّجوعَ في هِبتِه إلا مِنْ ذي الرَّحمِ المَحرَمِ، فجعَلَ المَرأةَ في هذا كذي الرَّحمِ المَحرَمِ، فهكذا نَقولُ.

وأمَّا هِبةُ الزَّوجِ لامرَأتِه فإنَّ أَبا بَكرةَ حدَّثَنا قالَ: ثَنا أبو عُمرَ قالَ: أخبَرَنا أبو عَوانةَ عن أَبي مَنصورٍ قالَ: قالَ إِبراهيمُ: «إذا وهَبَت المَرأةُ لزَوجِها أو وهَبَ الرَّجلُ لامرأتِه فالهِبةُ جائِزةٌ، وليسَ لواحدٍ منهما أنْ يَرجعَ في هِبتِه».

حدَّثَنا سُليمانُ بنُ شُعيبٍ عن أَبيه عن مُحمدِ بنِ الحَسنِ عن أَبي حَنيفةَ عن حَمادٍ عن إِبراهيمَ أنَّه قالَ: الزَّوجُ والمَرأةُ بمَنزِلةِ ذي الرَّحمِ المَحرَمِ، إذا وهَبَ أحدُهما لصاحِبِه لم يَكنْ له أنْ يَرجعَ. فجعَلَ الزَّوجَين في هذه الأَحاديثِ كذي الرَّحمِ المَحرَمِ، فمنَعَ كلَّ واحدٍ منهما من الرُّجوعِ فيما وهَبَ لصاحِبِه، فهكذا نَقولُ، وقد وصَفْنا في هذا ما ذهَبتُ إليه في الهِباتِ وما ذكَرنا من هذه الآثارِ؛ إذْ لم نَعلمْ عن أحدٍ مِثلَ مَنْ رَويناها عنه خِلافًا لها، فتَرَكنا النَّظرَ من أجلِها وقَلَّدناها، وقد كانَ النَّظرُ لو خُلِّينا وإيَّاه خِلافَ ذلك، وهو ألَّا يَرجعَ الواهِبُ في الهِبةِ لغيرِ ذي الرَّحمِ المَحرَمِ؛ لأنَّ مِلكَه قد زالَ عنها بهِبتِه إِياها، وصارَ للمَوهوبِ له دونَه، فليسَ له نَقضُ ما قد ملَكَ عليه إلا برِضاءِ مالِكِه، ولكنَّ اتِّباعَ الآثارِ وتَقليدَ أئِمةِ أهلِ العِلمِ أَولى،

<<  <  ج: ص:  >  >>