للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا تَفصيلُ كَلامِ الفُقهاءِ في هِبةِ الزَّوجَين للآخَرِ:

قالَ الحَنفيةُ: ما وهَبَه أحدُ الزَّوجَين للآخَرِ لا رُجوعَ له فيه؛ لأنَّ هِبةَ أحدِ الزَّوجَين للآخَرِ تُحقِّقُ ما بينَهما من الأُلفةِ والمَودةِ، فكانَ المَقصودُ منها الصِّلةَ وقد حصَلَت، وفي الرُّجوعِ قَطيعةُ الرَّحمِ والأُلفةِ؛ لأنَّها تُورثُ الوَحشةَ والنَّفرةَ، فلا يَجوزُ، صِيانةً للرَّحمِ عن القَطيعةِ وإبقاءً للزَّوجيةِ على الأُلفةِ والمَودةِ، ولأنَّ المَقصودَ بها صِلةُ الرَّحمِ؛ لأنَّ الزَّوجيةَ أُجرِيت مجرَى القَرابةِ، بدَليلِ أنَّه يَحصلُ بها الإِرثُ في جَميعِ الأَحوالِ، وسَواءٌ كانَ أحدُ الزَّوجَين مُسلمًا أو كافِرًا، لشُمولِ المَعنى.

وإنَّما يُنظرُ إلى هذا وَقتَ الهِبةِ حتى لو وهَبَ لأجنَبيةٍ ثم تزوَّجَها فله الرُّجوعُ؛ لأنَّ العَقدَ أوجَبَ له الرُّجوعَ قبلَ التَّزويجِ فكذا بعدَه، ولو وهَبَت له ثم تزَوَّجته كانَ لها الرُّجوعُ، وإنْ وهَبَ لزَوجتِه أو وهَبَت له ثم أبانَها فليسَ له ولا لها الرُّجوعُ؛ لأنَّ العَقدَ وقَعَ غيرَ مُوجِبٍ للرُّجوعِ؛ لأنَّ المُعتبَرَ المَقصودُ وَقتَ العَقدِ (١).

وقالَ الإمامُ أبو جَعفرٍ الطَّحاويُّ : وأمَّا هِبةُ كلِّ واحدٍ من الزَّوجَين لصاحِبِه؛ فإنَّ أبا بَكرةَ قد حدَّثَنا قالَ ثَنا أبو عُمرَ قالَ: أخبَرَنا حَمادُ ابنُ سَلمةَ عن أيُّوبَ عن مُحمدٍ «أنَّ امرأةً وهَبَت لزَوجِها هِبةً ثم رجَعَت فيها


(١) «الهداية شرح البداية» (٣/ ٢٢٨)، و «الاختيار» (٣/ ٦٣)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٨١)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٩٨)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٠٧)، و «العناية» (١٢/ ٣٠١)، و «اللباب» (١/ ٦١٠)، و «ابن عابدين» (٨/ ٤٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>