للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَولُه تَعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦]، فالتَّحيةُ تُستعمَلُ في مَعانٍ منها السَّلامُ والثَّناءُ والهَديةُ بالمالِ، قالَ القائِلُ:

تَحيَّتُهم بِيضُ الوَلائدِ بينَهم

يُريدُ عَطاياهُم، والتَّفسيرُ الثالِثُ مُرادٌ بقَرينةٍ من الآيةِ الكَريمةِ نَفسِها، وهي قَولُه تَعالى: ﴿أَوْ رُدُّوهَا﴾؛ لأنَّ الرَّدَّ إنَّما يَتحقَّقُ في الأَعيانِ لا في الأَعراضِ؛ لأنَّه عِبارةٌ عن إِعادةِ الشَّيءِ، وهذا لا يُتصورُ في الأَعراضِ، والمُشترَكُ يَتعيَّنُ أحدُ وُجوهِه بالدَّليلِ.

وقد رُويَ عن سيِّدِنا عُمرَ وسيِّدِنا عُثمانَ وسيِّدِنا علِيٍّ وعَبدِ اللهِ بنِ سيِّدِنا عُمرَ وأبي الدَّرداءِ وفَضالةَ بنِ عُبَيدٍ وغيرِهم أنَّهم قالوا مِثلَ هذا، ولم يَرِدْ عن غيرِهم خِلافُه، فيَكونُ إِجماعًا.

وبَيانُ ذلك أنَّ المَقصودَ من الهِبةِ للأجانِبِ العِوضُ والمُكافأةُ، والمَرجعُ في ذلك إلى العُرفِ والعادةِ الظاهِرةِ أنَّ الإِنسانَ يُهدي إلى مَنْ فوقَه ليَصونَه بجاهِه وإلى مَنْ دونَه ليَخدُمَه، وإلى مَنْ يُساويه ليُعوِّضَه إِحسانًا إليه وإِنعامًا عليه، فالمَوهوبُ له مَندوبٌ إلى ذلك شَرعًا، قالَ اللهُ : ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠)[الرحمن: ٦٠]، وقالَ النَّبيُّ : «مَنْ صنَعَ إليكم مَعروفًا فكافِئوه، فإنْ لم تَجِدوا ما تُكافِئونه فادعوا له حتى تَرَوْا أنَّكم قد كافأتُموه» (١).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (١٦٧٢)، وابن حبان في «صحيحه» (٣٤٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>