للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا يَتبينُ أنَّ حَقَّ الرُّجوعِ ليسَ بمُقتَضى العَقدِ، بل لتَمكُّنِ الخَللِ في المَقصودِ بالعَقدِ، على مَعنى أنَّ المَعروفَ كالمَشروطِ، ولا يُقالُ: إنَّما يُقصدُ العِوضُ بالتِّجاراتِ، فأمَّا المَقصودُ بالهِبةِ فهو إِظهارُ الجُودِ والسَّخاءِ والتَّودُّدِ والتَّحبُّبِ، وقد حصَلَ ذلك، وهذا لأنَّ العِوضَ في التِّجاراتِ مَشروطٌ، وفي التَّبرُّعاتِ مَقصودٌ، ومَعنى إظهارِ الجُودِ أيضًا مَقصودٌ؛ فإنَّما يُمكِنُ الخَللُ في بعضِ المَقصودِ، وذلك يَكفي للفَسخِ، مع أنَّ إِظهارَ الجُودِ مَقصودٌ كَريمُ الخُلقِ، ولهذا يَقولُون: الراجِعُ في الهِبةِ لا يَكونُ كَريمَ الخُلقِ، فأمَّا مَقصودُ طِيبةِ النَّفسِ فهو العِوضُ، ومَعنى التَّودُّدِ إنَّما يَحصُلُ بالعِوضِ، كما قالَ : «تَهادُوا تَحابُّوا» والتَّهادي تَفاعُلٌ من الهَديةِ فيَقتَضي الفِعلَ من اثنَين، وقد لا يَحصُلُ هذا المَقصودُ من الأَجنَبيِّ، وفَواتُ المَقصودِ من عَقدٍ مُحتمِلٍ للفَسخِ يَمنعُ لُزومَه كالبَيعِ؛ لأنَّه يُعدَمُ الرِّضا، والرِّضا في هذا البابِ كما هو شَرطُ الصِّحةِ هو شَرطُ اللُّزومِ، كما في البَيعِ إذا وجَدَ المُشتَري بالمَبيعِ عَيبًا لم يَلزمْه العَقدُ لعَدمِ الرِّضا عندَ عَدمِ حُصولِ المَقصودِ، وهو السَّلامةُ، كذا هذا.

ولهذا يَحتاجُ إلى القَضاءِ أو الرِّضا في الرُّجوعِ؛ لأنَّه بمَنزلةِ الرَّدِّ بالعَيبِ بعدَ القَبضِ من حيثُ إنَّ السَّببَ تَمكُّنُ الخَللِ في المَقصودِ، فلا يَتمُّ إلا بقَضاءٍ أو رِضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>