وقال الإمامُ ابنُ رُشدٍ ﵀: المَسألةُ الرَّابعةُ، وأمَّا ما الواجِبُ على مَنْ تركَها عَمدًا وأُمر بها، فأبَى أن يُصلِّيَها، لا جُحُودًا لِفَرضِها، فإنَّ قَومًا قالوا: يُقتلُ، وقَومًا قالوا: يُعزَّرُ ويُحبَسُ، والَّذينَ قالوا: يُقتلُ، منهم مَنْ أوجَبَ قَتلَه كُفرًا، وهُو مَذهبُ أحمدَ وإسحاقَ وابنِ المُبارَكِ، ومنهم مَنْ أوجَبَه حَدًّا، وهُو مالِكٌ والشافِعيُّ وأبو حَنيفَةَ وأصحابُه وأهلُ الظَّاهرِ ممَّن رَأى حَبسَه وتَعزِيرَه حتى يُصلِّيَ.
والسَّببُ في هذا الاختِلافِ اختِلافُ الآثارِ.
وذلك أنَّه ثَبت عنه ﷺ أنَّه قالَ: «لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ إلَّا بإحدَى ثَلاثٍ: كُفرٍ بعدَ إيمانٍ، أو زِنًا بعدَ إحصانٍ، أو قَتلِ نَفسٍ بغيرِ نَفسٍ».
ورُويَ عنه ﷺ مِنْ حَديثِ بُريدَةَ أنَّه قالَ: «العَهدُ الذي بينَنا وبينَهمُ الصَّلاةُ، فمَن تركَها فقد كفرَ».
ورَوى جابرٌ عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قالَ: «ليس بينَ العَبد وَبينَ الكُفرِ -أو قالَ: الشِّركِ- إلَّا تَركُ الصَّلاةِ».
فمَن فَهِمَ مِنْ الكُفرِ ههُنَا الكُفرَ الحَقيقيَّ جَعلَ هذا الحَديثَ كأنَّه تَفسيرٌ لِقولِه ﷺ: «كُفرٍ بعدَ إيمانٍ»، ومَن فَهِم ههُنا التَّغليظَ والتَّوبيخَ، أي أنَّ أفعالَه أفعالُ كافِرٍ، وأنَّه في صُورَةِ كافِرٍ، كما قالَ: «لا يَزنِي الزَّانِي حينَ يَزنِي وهُو مُؤمِنٌ، ولا يَسرِقُ السَّارقُ حينَ يَسرقُ وهُو مُؤمِنٌ»، لم يَرَ قَتلَه كُفرًا.
وأمَّا مَنْ قالَ: يُقتلُ حَدًّا فضَعيفٌ، ولا مُستنَدَ له إلَّا قِياسٌ شِبهُ ضَعيفٍ إن أمكَنَ، وهُو تَشبيهُ الصَّلاةِ بالقَتلِ في كَونِ الصَّلاةِ رَأسَ المَأموراتِ، وكَونِ القَتلِ رَأسَ المَنهياتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute