للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلَى الجُملةِ فاسمُ الكُفرِ إنَّما يُطلَقُ بالحَقيقةِ على التَّكذيبِ، وتاركُ الصَّلاةِ مَعلومٌ أنَّه ليس بمُكذِّبٍ، إلَّا أن يترُكَها مُعتقِدًا لِتَركِها هكَذا، فنحنُ إذَن بينَ أحَدِ أمرَينِ، إمَّا أن نَفهَمَ من الحَديثِ الكُفرَ الحَقيقيَّ، فيجبُ علينا أن نَتأوَّلَ أنَّه أرادَ مَنْ تركَ الصَّلاةَ مُعتقِدًا لِتَركِها، فقد كفَرَ.

وإمَّا أن يُحمَلَ على أنَّ اسمَ الكُفرِ على غيرِ مَوضوعِه الأوَّلِ، وذلِك على أحَدِ مَعنيَينِ، إمَّا على أنَّ حُكمَه حكمُ الكافرِ، أعنِي في القَتلِ وسائرِ أحكامِ الكُفَّارِ، وإن لم يكن مُكذِّبًا، وإمَّا على أنَّ أفعالَه أفعالُ كافِرٍ على جِهَةِ التَّغليظِ والرَّدعِ لهُ، أي أنَّ فاعلَ هذا يُشبِهُ الكافِرَ في الأفعالِ، إذ كانَ الكافِرُ لا يُصلِّي، كما قالَ : «لا يَزنِي الزَّانِي حين يَزنِي وهُو مُؤمِنٌ»، وحَملُه على أنَّ حُكمَه حكمُ الكافرِ في أحكامِه لا يجبُ المَصيرُ إليه إلَّا بدَليلٍ، لأنَّه حُكمٌ لم يثبُت بَعدُ في الشَّرعِ مِنْ طريقٍ يجبُ المَصيرُ إليه، فقد يجبُ إذا لم يَدُلَّ عِندنَا على الكُفرِ الحَقيقيِّ الذي هو التَّكذيبُ أن يَدُلَّ على المعنَى المَجازِيِّ، لا على مَعنًى يُوجِبُ حُكمًا لم يثبُت بَعدُ في الشَّرعِ، بلَ يُثبِتُ ضِدَّه الَّذين نصَّ عليهم الشَّرعُ، فتَأمَّل هذا؛ فإنَّه بيِّنٌ واللهُ أعلمُ، أعنِي أنَّه يجبُ علينا أحَدُ أمرَينِ، إمَّا أن نُقدِّرَ في الكلامِ مَحذوفًا، إن أرَدنَا حَملَه على المعنَى الشَّرعيِّ المَفهومِ مِنْ اسمِ الكُفرِ، وإمَّا أن نَحمِلَه على المعنَى المُستَعارِ، وأمَّا حَملُه على أنَّ حُكمَه حكمُ الكافرِ في جَميعِ أحكامِه معَ أنَّه مُؤمِنٌ فشَيءٌ مُفارِقٌ لِلأُصولِ، مع أنَّ الحَديثَ نَصٌّ في حقِّ مَنْ يجبُ قتلُه كُفرًا أو حَدًّا، ولذلكَ صارَ هذا القولُ مُضاهيًا لقولِ مَنْ يكفرُ بالذُّنوبِ (١).


(١) «بداية المجتهد» (١/ ١٣٣، ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>