الإِباحةُ، وبهذا قالَ أكثَرُ العُلماءِ وجَماعةُ أهلِ الفَتوى منهم الشَّعبيُّ والنَّخعيُّ والثَّوريُّ والشافِعيُّ وإِسحاقُ وأَصحابُ الرَّأيِ ورُويَ معنى ذلك عن حَفصةَ.
وقالَ الحَسنُ وعَطاءٌ وقَتادةُ: هي كالعُمرَى، تَكونُ له ولعَقِبِه؛ لأنَّها في مَعنى العُمرَى فيَثبتُ فيها مِثلُ حُكمِها، وحُكيَ عن الشَّعبيِّ أنَّه إذا قالَ:«هي لك، اسكُنْ حتى تَموتَ»، فهي له حَياتَه ومَوتَه، وإنْ قالَ:«دارِي هذه اسكُنْها حتى تَموتَ»؛ فإنَّها تَرجعُ إلى صاحِبِها؛ لأنَّه إذا قالَ:«هي لك»، فقد جعَلَ له رقَبَتها فتَكونُ عُمرَى، فإذا قالَ:«اسكُنْ دارِي هذه»؛ فإنَّما جعَلَ له نَفعَها دونَ رَقبتِها فتَكونُ عارِيةً.
ولنا: أنَّ هذا إِباحةُ المَنافعِ، فلم يَقعْ لازِمًا كالعارِيةِ، وفارَقَ العُمرَى؛ فإنَّها هِبةٌ للرَّقبةِ، فأمَّا إذا قالَ:«هذه لك، اسكُنْها حتى تَموتَ»؛ فإنَّه يَحتملُ:«لك سُكناها حتى تَموتَ»، وتَفسيرُها بذلك دَليلٌ على أنَّه أرادَ السُّكنَى، فأشبَهَ ما لو قالَ:«هذه لك سُكناها»، وإذا احتَملَ أنْ يُريدَ به الرَّقبةَ واحتَملَ أنْ يُريدَ السُّكنَى فلا نُزيلُ مِلكَه بالاحتِمالِ (١).
وقالَ المالِكيةُ: إذا قالَ: «أعمَرتُك دارِي، أو أسكَنتُك دارِي»، أو ما دَلَّ على تَمليكِ المَنفعةِ ك «أسكَنتُك»، ونَحوِه من الأَلفاظِ الدالةِ على تَمليكِ المَنفعةِ ك «وهَبتُك سُكناها أو استِغلالَها عُمرَك»، فهي عُمرَى -أي: هِبةٌ- يَملكُ بها مَنافعَ الدارِ دونَ رَقبتِها؛ فإنْ كانَت مُقيدةً بأجَلٍ، بأنْ قالَ: