للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابِلةُ: لا يَصحُّ إِعمارُ المَنفعةِ ولا إِرقابُها، فلو قالَ رَبُّ بَيتٍ لآخَرَ: «سُكنَى هذه الدارِ لك عُمرَك، أو مَنحتُكَ البَيتَ عُمرَك» فعارِيةٌ، قالَ في «القاموسِ»: منَحَه الناقةَ جعَلَ له وبَرَها ولبَنَها وولَدَها، وهي المِنحةُ والمَنيحةُ، أو قالَ: «منَحتُك غَلةَ البَيتِ لك عُمرَك»، أو قالَ رَبُّ بُستانٍ «مَنحتُكَ سُكنَى البُستانِ عُمرَك» فعارِيةٌ، أو قالَ رَبُّ عَبدٍ: «منَحتُك خِدمتَه لك عُمرَك»، فعارِيةٌ وإباحةٌ تَلزمُ في قَدرِ ما قبَضَه من غَلةٍ قبلَ رُجوعِ المانِحِ، وعُلمَ منه أنَّ للمانِحِ الرُّجوعَ في مِنحتِه متى شاء في حَياةِ المَمنوحِ وبعدَ مَوتِه؛ لأنَّه هِبةُ مَنفعةٍ، فله الرُّجوعُ فيها متى شاء؛ لأنَّ المَنافعَ إنَّما تُستوفَى شَيئًا فشَيئًا بمُضيِّ الزَّمانِ، فلا تَلزمُ إلا في قَدرِ ما قبَضَه منه، وتَبطُلُ بمَوتِ أحدِهما (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : مَسألةٌ: قالَ: وإنْ قالَ: «سُكناها لك عُمرَك»، كانَ له أخذُها، أي: وَقتَ أحَبَّ؛ لأنَّ السُّكنَى ليسَت كالعُمرَى والرُّقبَى.

أمَّا إذا قالَ: «سُكنَى هذه الدارِ لك عُمرَك، أو اسكُنْها عُمرَك» أو نحوَ ذلك، فليسَ ذلك بعَقدٍ لازِمٍ؛ لأنَّه في التَّحقيقِ هِبةُ المَنافعِ، والمَنافعُ إنَّما تُستوفَى بمُضيِّ الزَّمانِ شَيئًا فشَيئًا، فلا تَلزمُ إلا في قَدرِ ما قبَضَه منها واستَوفاه بالسُّكنى، وللمُسكِنِ الرُّجوعُ متى شاءَ، وأيُّهما ماتَ بطَلَت


(١) «المبدع» (٥/ ٣٧٠)، و «العدة شرح العمدة» (١/ ٢٦٦)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٧٣)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٤٠٥)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٣٩٩)، و «الروض المربع» (٢/ ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>