وعن جابِرٍ ﵁ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ أعمَرَ عُمرى فهي له ولعَقِبِه يَرِثُها مَنْ يَرِثُه من عَقِبِه»(١)؛ لأنَّها تَمليكٌ للرَّقبةِ فأشبَهَت الهِبةَ، وليسَ في جَعلِها له مُدةَ حَياتِه ما يُنافي انتِقالَها إلى وَرثتِه؛ فإنَّ الأَملاكَ كلَّها مُقدَّرةٌ بحَياتِه؛ لأنَّ الأَملاكَ المُستقِرةَ إنَّما يُتقدَّرُ زَمانُها بحَياةِ المالِكِ، ثم تَنتقِلُ بعدَ مَوتِه إلى وَرثةِ المالِكِ.
فلم يَكنْ ما جعَلَه له من المِلكِ مُدةَ حَياتِه مُنافيًا لحُكمِ الأَملاكِ، وإذا لم تُنافِه اقتَضى أنْ يَصحَّ، وإذا صَحَّ اقتَضى أنْ يَكونَ مَوروثًا.
وأمَّا القَولُ القَديمُ للشافِعيةِ فاختَلفَ فيه الأَصحابُ:
فقالَ أبو إِسحاقَ المَروزيُّ ﵀(وهي الرِّوايةُ الثانيةُ للحَنابِلةِ): قَولُه القَديمُ: (إنَّها تَكونُ للمُعمَرِ في حَياتِه، فإذا ماتَ رجَعَت إلى المُعطِي)؛ لقَولِه ﷺ:«مَنْ أُعمِرَ شَيئًا له ولعَقِبِه فهو للذي يُعطاها، لا تَرجعُ إلى الذي أعطاها»، فدَليلُ خِطابِه أنَّه إذا لم يَشترطْ لعَقِبِه؛ فإنَّها تَرجعُ إلى الذي أعطاها، فإذا ماتَ عادت إلى الواهِبِ أو وَرثتِه؛ لأنَّه خَصَّه بها حَياتَه فقط.
وقالَ أكثرُ الأَصحابِ -وعليه المَذهبُ-: قَولُه القَديمُ: (إنَّ العَطيةَ تَكونُ فاسِدةً)؛ لأنَّه تَمليكُ عَينٍ قُدِّرَ بمُدةٍ فوجَبَ أنْ يَكونَ باطِلًا، كما لو قالَ: بِعتُك داري هذه عُمرَك، ولأنَّها عُمرَى مُقدَّرةٌ وجَبَ أنْ تَكونَ باطِلةً كما لو قالَ: قد أعمَرتُكها سَنةً، ولأنَّه إذا جعَلَها له مُدةَ عُمرِه فقد يَحتمِلُ أنْ
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٥٥٣)، والنسائي (٣٧٤٢).