للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلمَّا لم يكفر بِفِعلِ مَا نُهي عَنهُ إِذَا كانَ مُعتقِدًا تَحرِيمَه، لَم يكفر بِتَركِ مَا أُمر بِه إِذَا كانَ مُعتقِدًا وجوبَه، ولأنَّه لو كانَ كافِرًا بِتَركِهَا لَكانَ مُسلِمًا بِفِعلِها، فَلمَّا لَم يكن مُسلِمًا بِفِعلِها لم يكن كافِرًا بِتَركِها.

فَأمَّا الجَوابُ عن قولِه : «فَمَنْ تركَها فقد كفرَ»، فَفيه جَوابانِ:

أَحدُهما: أنَّه قالَ ذلك على طَريقِ الزَّجرِ، كمَا قالَ: «لا إيِمانَ لمَن لا أمانَةَ له».

وَالآخَرُ: أنَّه أرادَ بِذلك أنَّ حُكمَه حكمُ الكُفَّارِ في إباحَةِ الدَّمِ (١).

وَقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : والرِّوايَةُ الثَّانيةُ يُقتلُ حَدًّا مع الحُكمِ بِإسلامِه، كالزَّانِي المُحصَنِ، وهَذا اختِيارُ أبِي عَبد اللهِ بنِ بَطَّةَ، وَأنكَرَ قولَ مَنْ قالَ إنَّه يكفرُ، وَذكرَ أنَّ المَذَهب على هذا، لَم يَجِد في المَذهبِ خِلافًا فيه، وَهَذا قولُ أكثرِ الفُقهاءِ، وقولُ أَبي حَنيفَةَ وَمَالكٍ والشافِعيِّ.

ورُويَ عن حُذَيفةَ أنَّه قالَ: «يَأتِي على النَّاسِ زَمانٌ لا يَبقَى معَهم مِنْ الإسلامِ إلَّا قولُ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، فَقِيلَ لَه: وَمَا يَنفَعُهم؟ قالَ: تُنجِيهم مِنْ النَّارِ لا أبا لَك».

وعن وَالَانَ قالَ: «انتَهيتُ إلى دَارِي فَوَجدتُ شاةً مَذبُوحةً، فَقُلتُ: مَنْ ذَبَحهَا؟ قالوا: غُلامُكَ. قُلتُ: واللهِ إنَّ غُلامِي لَا يُصلِّي. فقالَ النِّسوةُ: نحن عَلَّمنَاهُ فسَمَّى. فَرَجعتُ إلى ابنِ مَسعودٍ فَسَألتُه عن ذلك، فأَمرَنِي بِأَكلِها».


(١) «الحاوي الكبير» (٢/ ٥٢٦، ٥٢٨)، ويُنظر: «المهذب» (١/ ٥١)، و «المجموع» (٣/ ١٤، ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>