للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّ الصَّلاةَ تُسمَّى إيمانًا، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣]، يَعني: صَلاتَكُم، وأمَّا اشتِراكُهما في المعنَى فمِن وجهَينِ: أحَدُهما: أنَّ مَنْ لزِمه الإيمانُ، لزِمه فِعلُ الصَّلاةِ، وقد لا يَلزمُه الصِّيامُ إذا كانَ شَيخًا هَرِمًا، ومَن لم يَلزمه فِعلُ الصَّلاةِ لم يَلزمه الإيمانُ، كالصَّبيِّ والمَجنونِ. والآخَرُ: أنَّ مِنْ هَيئاتِ الصَّلاةِ ما لا يَقعُ إلَّا طاعةً للهِ سُبحانَه، كالإيمانِ، الذي لا يَقعُ إلَّا لِلهِ ﷿، فلمَّا وجبَ اشتِراكُهما في الاسمِ والمعنَى، وجبَ اشتِراكُهما في الحُكمِ، ولأنَّ الشَّرعَ يَشتمِلُ على أوَامِرَ ونَواهٍ، فَلمَّا قُتل بفِعلِ مَا نُهي عنهُ، وإن كانَ مُعتقِدًا لِتَحرِيمِه، اقتَضَى أن يُقتلَ بِتَركِ مَا أُمر بِه، وإن كانَ مُعتقِدًا لِوجوبِه.

فَأمَّا الجَوابُ عَنِ الخَبرِ الأوَّلِ فقد قالَ فيه: «إلَّا بِحقِّها»، وَالصَّلاةُ مِنْ حقِّهَا، كمَا قالَ أبُو بَكرٍ في مَانِعِي الزَّكاةِ.

وأمَّا الجَوابُ عَنِ الخَبرِ الثَّاني وقولِه: «لَا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ إلَّا بِإحدَى ثَلاث: كُفرٍ بعدَ إيِمَانٍ»، فَأباحَ دَمَه بِالكُفرِ معَ الإسلامِ، وَلا يكونُ ذلك إلَّا بتَركِ الصَّلاةِ؛ لأنَّه يكونُ مُسلِمًا، وَتَكونُ أحكامُ الكُفرِ جَارِيَةً عَليهِ في إباحَةِ الدَّمِ.

وَأمَّا الجَوابُ عن قِياسِهم على الصَّومِ والعِباداتِ فالمعنَى فيه أنَّ استِيفاءَ ذلك مُمكِنٌ مِنهُ، وَاستِيفاءَ الصَّلاةِ غيرُ مُمكِنٍ كالإيِمانِ.

فَأمَّا أحمدُ بنُ حَنبَلٍ ومَن تابعَه فَاستدَلُّوا على إثباتِ كُفرِهِ بِروايَةِ جَابرٍ عن رَسولِ اللهِ أنَّه قالَ: «بينَ الكُفرِ والإيِمَانِ تَركُ الصَّلاةِ، فَمَنْ تركَهَا فقد كفرَ». وَالدِّلالَةُ على إسلامِه أنَّ الشَّرعَ يَشتمِلُ على أوَامِرَ وَنَواهٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>