والمَذهبُ الثَّالثُ: وهُو مَذهبُ أحمدَ بنِ حَنبلٍ وإسحاقَ بنِ رَاهَوَيهِ، أنَّه كانَ كافِرًا كالجاحِدِ، تَجري عليهِم أحكامُ الردَّةِ.
وأمَّا أبو حَنيفَةَ ومَن تابعَه فإنَّهم استدَلُّوا على حَقنِ دَمِه بقولِه ﷺ: «أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حتى يَقولوا: لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه، فإن قالُوها عَصَموا مني دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحقِّها وحِسابُهم على اللهِ ﷿»، وهذا قد قال: لا إلهَ إلا اللهُ، فوجبَ أن يَكونَ دَمُه مَحقونًا، وأيضًا مَا رَواه عُثمانُ بنُ عَفَّانَ ﵁ أنَّه قال: «لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ إلَّا بإحدَى ثَلاثٍ: كُفرٍ بعدَ إيمانٍ، أو زِنًا بعدَ إحصانٍ، أو قَتلِ نَفسٍ بغيرِ نَفسٍ»، وهذا لم يَفعلهُ أحَدٌ، فوجبَ أن يَكونَ مَحقونَ الدَّمِ، قالوا: ولأنَّها عِبادةٌ تُؤدَّى وتُقضَى، وجبَ ألَّا يُقتلَ بتركِها، كالصَّومِ، قالوا: ولأنَّها عِبادةٌ شَرعيَّةٌ، فوجبَ ألَّا يَستحِقَّ القَتلَ بتَركِها، كَسَائرِ العِباداتِ.
والدَّليلُ على إباحةِ دَمِه قولُه تَعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٥] فأَمرَ بقَتلِهم ثم استَثنَى منهم مَنْ جَمعَ شَرطَينِ: التَّوبةَ وإقامةَ الصَّلاةِ، فعُلم أنَّ مَنْ أتَى بأحَدِهما -التَّوبةِ، أو إقامةِ الصَّلاةِ- كان الأمرُ بقَتلِه باقيًا، ورُويَ عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قالَ: «ألَا إنِّي نُهِيتُ عن قَتلِ المُصلِّينَ»، فلمَّا كانَ فِعلُها سَببًا لِحَقنِ دَمِه كانَ تَركُها سَببًا لإراقَتِه، ولأنَّها أحَدُ أركانِ الإسلامِ الذي لا يَدخلُه النِّيابةُ ببَدلٍ ولا مالٍ، فوجبَ أن يُقتلَ بتَركِها كالإيمانِ، ولأنَّ الصَّلاةَ والإيمانَ يَشتَرِكانِ في الاسمِ والمعنَى، فأمَّا اشتِراكُهما في الاسمِ فهُو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute