للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الثانِي: فكقَولِه: «كَسوتُك هذا الثَّوبَ أو أعمَرتُك هذه الدارَ»، فهو هِبةٌ. كذا لو قالَ: «هذه الدارُ لكَ عُمري أو عُمرَك أو حَياتي أو حَياتَك، فإذا مِتَّ فهو رَدٌّ علَيَّ»، جازَت الهِبةُ وبطَلَ الشَّرطُ.

وأمَّا الثالِثُ: فكقَولِه: «هذه الدارُ لك رُقبَى أو لك حَبسٌ»، ودفَعَها إليه فهي عارِيةٌ عندَهما، وعندَ أبي يُوسفَ -رحِمَه اللهُ تَعالى- هي هِبةٌ، كذا في «مُحيطِ» السَّرخَسيِّ، ولو قالَ: أطعَمتُك هذا الطَّعامَ؛ فإنْ قالَ: «فاقبِضْه» فهو هِبةٌ، وإنْ لم يَقُلْ: «فاقبِضْه» يَكنْ هِبةً أو عارِيةً، فقد اختلَفَ المَشايخُ في شُروحِهم، كذا في «المُحيطِ»، ولو قالَ: «حمَلتُك على هذه الدابةِ» يَكونُ عارِيةً، إلا أنْ يَنويَ الهِبةَ، وقيلَ: هو من السُّلطانِ هِبةٌ، كذا في «الظَّهيريةِ».

والأصلُ في هذه المَسائلِ أنَّه إذا أتى بلَفظٍ يُنبِئُ عن تَمليكِ الرَّقبةِ يَكونُ هِبةً، وإذا كانَ مُنبِئًا عن تَمليكِ المَنفعةِ يَكونُ عارِيةً، وإذا احتمَلَ هذا وذاك يُنوَى في ذلك (١).

وقالَ المالِكيةُ: الهِبةُ تَصحُّ بصِيغةٍ تَدلُّ على التَّمليكِ صَريحًا كقَولِه: «وهَبتُ لك، أو هي هِبةٌ مِنِّي لك، أو أنا واهِبٌ لك هذا، أو مَلَّكتُك» ونَحوَه، أو كمُفهِمٍ مَعناها، وسَواءٌ كانَ مُفهمًا مَعنى الصِّيغةِ قَولًا، ك «خُذْ


(١) «الفتاوى الهندية» (٤/ ٣٧٥)، ويُنظَرُ: «الاختيار» (٣/ ٥٨)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥٩، ٦٠)، و «اللباب» (١/ ٦٠١، ٦٠٢)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٠٣)، و «ابن عابدين» (٨/ ٤٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>