وإنَّما يُطعمُ ما يَخرجُ منها، فكانَت طُعمةُ الأرضِ زِراعتَها، فكانَ ذلك حينَئذٍ إِعارةً، ولصاحبِها أنْ يَأخذَها إذا لم يَكنْ فيها زَرعٌ، وإنْ كانَ فيها زَرعٌ فالقِياسُ أنْ يَكونَ له وِلايةُ القَلعِ كالبِناءِ والغَرسِ، وفي الاستِحسانِ يُتركُ إلى وَقتِ الحَصادِ بأجرِ المِثلِ.
ولو منَحَه شاةً حَلوبًا أو ناقةً حَلوبًا أو بَقرةً حَلوبًا، وقالَ:«هذه الشاةُ لك مِنحةً، أو هذه الناقةُ، أو هذه البَقرةُ»، كانَ عارِيةً وجازَ له الانتِفاعُ بلَبنِها؛ لأنَّ اللَّبنَ -وإنْ كانَ عَينًا حَقيقةً- مَعدودٌ من المَنافعِ عُرفًا وعادةً، فأُعطيَ له حُكمُ المَنفعةِ، كأنَّه أباحَ له شُربَ اللَّبنِ فيَجوزُ له الانتِفاعُ بلَبنِها.
وكذلك لو منَحَه جَديًا أو عَناقًا كانَ له عارِيةً؛ لأنَّ الجَديَ مُعرَّضٌ أنْ يَصيرَ فَحلًا، والعَناقُ حَلوبًا، وإنْ عنَى بالمِنحةِ الهِبةَ في هذه المَواضعِ فهو على ما عنَى؛ لأنَّه نَوَى ما يَحتملُه لَفظُه وفيه تَشديدٌ على نَفسِه.
وإنْ كانَ ممَّا لا يُمكنُ الانتِفاعُ به إلا بالاستِهلاكِ كالمَأكولِ والمَشروبِ والدَّراهمِ والدَّنانيرِ، بأنْ قالَ:«هذا الطَّعامُ لك مِنحةً، أو هذا اللَّبنُ أو هذه الدَّراهمُ والدَّنانيرُ» كانَ هِبةً؛ لأنَّ المِنحةَ المُضافةَ إلى ما لا يُمكنُ الانتِفاعُ به إلا بالاستِهلاكِ لا يُمكنُ حَملُها على هِبةِ المَنفعةِ فيُحملُ على هِبةِ العَينِ وهي تَمليكُها، وتَمليكُ العَينِ للحالِ من غيرِ عِوضٍ هو تَغييرُ الهِبةِ، هذا إذا كانَ الإِيجابُ مُطلقًا عن القَرينةِ.
فأمَّا إذا كانَ مَقرونًا بقَرينةٍ فالقَرينةُ لا تَخلو إمَّا أنْ يَكونَ وَقتًا وإمَّا أنْ يَكونَ شَرطًا وإمَّا أنْ يَكونَ مَنفعةً.