وقَولُه:«أطعَمتُك هذا الطَّعامَ» في مَعنى «أعطَيتُك»، وقَولُه:«حمَلتُك على هذه الدابةِ»؛ فإنَّه يَحتملُ الهِبةَ ويَحتملُ العارِيةَ؛ فإنَّه رُويَ أنَّ سيِّدَنا عُمرَ بنَ الخَطَّابِ ﵁ حمَلَ رَجلًا على دابةٍ ثم رَآها تُباعُ في السُّوقِ، فأرادَ أنْ يَشتريَها، فسألَ رَسولَ اللهِ ﷺ عن ذلك، فقالَ: لا تَرجعْ في صَدقتِك. فاحتمَلَ تَمليكَ العَينِ واحتمَلَ تَمليكَ المَنافعِ، فلا بدَّ من النِّيةِ للتَّعيينِ.
ولو قالَ:«منَحتُك هذا الشَّيءَ»، أو قالَ:«هذا الشَّيءُ لك مِنحةً»، فهذا لا يَخلو:
إمَّا أنْ يَكونَ ذلك الشَّيءُ ممَّا يُمكنُ الانتِفاعُ به من غيرِ استِهلاكٍ وإمَّا أنْ يَكونَ ممَّا لا يُمكنُ الانتِفاعُ به إلا باستِهلاكِه.
فإنْ كانَ ممَّا يُمكنُ الانتِفاعُ به من غيرِ استِهلاكٍ كالدارِ والثَّوبِ والدابةِ والأرضِ بأنْ قالَ:«هذه الدارُ لك مِنحةً، أو هذا الثَّوبُ أو هذه الدابةُ أو هذه الأرضُ»، فهو عارِيةٌ؛ لأنَّ المِنحةَ في الأصلِ عِبارةٌ عن هِبةِ المَنفعةِ أو ما له حُكمُ المَنفعةِ، وقد أُضيفَ إلى ما يُمكنُ الانتِفاعُ به من غيرِ استِهلاكِه من السُّكنَى واللُّبسِ والرُّكوبِ والزِّراعةِ؛ لأنَّ مَنفعةَ الأرضِ زِراعتُها، فكانَ هذا تَمليكَ المَنفعةِ من غيرِ عِوضٍ، وهو تَفسيرُ الإِعارةِ، وكذا إذا قالَ لأرضٍ بَيضاءَ:«هذه الأرضُ لك طُعمةً» كانَ عارِيةً؛ لأنَّ عَينَ الأرضِ ممَّا لا يُطعمُ،