القولُ الثَّاني: وهو مذهبُ الحَنفيَّةِ والمُزنيِّ مِنْ الشافِعيَّةِ: أنَّ تاركَ الصَّلاةِ عَمدًا تَكاسلًا فاسِقٌ، يُحبسُ حتى يُصلِّيَ؛ لأنَّه يُحبسُ لِحقِّ العَبد، فَحقُّ الحقِّ أَحقُّ، ويُضربُ حتى يَسيلَ منه الدَّمُ مُبالغةً في الزَّجرِ، ولا يُتركُ هَملًا بل يُتفقَّدُ حالُه بالوَعظِ والزَّجرِ والضَّربِ حتى يُصلِّيَها أو يَموتَ في حَبسِهِ، ولا يكفرُ بذلك، وهَذا جَزاؤُه الدُّنيويُّ، وأمَّا في الآخِرةِ: إذا ماتَ على الإسلامِ عاصِيًا بتَركِها فلَه عذابٌ طَويلٌ بوادٍ في جهنَّمَ، أَشدُّها حَرًّا وأبعدُها قَعرًا، فيهِ آبارٌ يَسيلُ إليها الصَّديدُ والقَيحُ، أُعِدَّت لِتاركِ الصَّلاةِ.
ولكن لو استخفَّ بالصَّلاةِ مُتهاوِنًا أو نطقَ بما يَدلُّ عليه فيَكونُ حكمُه حُكمَ المُرتدِّ، فتُكشَفُ شُبهتُه ويُحبَسُ، ثم يُقتلُ إن أصَرَّ، وَهَذا الحكمُ في تاركِ صَومِ رَمضانَ (١).
قالَ الإمامُ القُدوريُّ ﵀: إذا تَركَ الصَّلاةَ مُعتقِدًا بوُجوبِها حُبس وعُزِّرَ حتى يُصلِّيَ.
قالَ أصحابُنا: إذا تركَ الصَّلاةَ مُعتقِدًا لوُجوبِها، حُبس وعُزِّرَ حتى يُصلِّيَ …
لنا: قولُه ﷺ: «لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ إلَّا بإحدَى ثَلاثٍ: كُفرٍ بعدَ إيمانٍ، أو زِنًا بعدَ إحصانٍ، أو قَتلِ نَفسٍ بغيرِ نَفسٍ»، ولا يُقالُ: إنَّ قَتلَ تاركِ الصَّلاةِ ثابِتٌ بخَبرٍ آخرَ، فيُضمُّ إليه كما ضُمَّ نهيُه ﷺ عن
(١) «الدُّر المختار» (١/ ٣٥٢، ٣٥٣)، و «مجمع الأنهر» (١/ ٢١٨)، و «درر الحكامِ» (١/ ٢١٩)، و «حاشية الطَّحطاوي» ص (٣٧٣).