وذهَبَ المالِكيةُ إلى التَّفريقِ بينَ ما يُغيَّبُ عليه ويُمكنُ إِخفاؤُه كالحُليِّ والثِّيابِ فيَضمَنُ، وبينَ ما لا يُغيَّبُ عليه ولا يُمكنُ إِخفاؤُه كالحَيوانِ والعَقارِ فلا يَضمَنُ، وذلك لأنَّ العارِيةَ قد أخَذَت شَبهًا مِنْ الأَمانةِ؛ لأنَّ المالكَ بذَلَ للمُستَعيرِ مَنفعتَها من غيرِ عِوضٍ، فكانَ كالعبدِ المُوصى بخِدمتِه، وأخَذَت شَبهًا مِنْ المَضمونِ؛ لأنَّه قبَضَها لمَنفعةِ نَفسِه على التَّجريدِ، فجازَ أنْ يَتعلَّقَ بها الضَّمانُ فوجَبَ أنْ يَكونَ حُكمُها مُتردِّدًا بينَ الأَمرينِ، فإذا علِمَ تَلفَها بغيرِ تَفريطٍ منه سقَطَ الضَّمانُ.
وإنِ ادَّعى المُستَعيرُ أنَّ الهَلاكَ أو الضَّياعَ ليسَ بسَببِ تَعدِّيه أو تَفريطِه في الحِفظِ فهو مُصدَّقٌ في ذلك بيَمينِه، إلا أنْ تَقومَ بَينةٌ أو قَرينةٌ على كَذبِه، كأَنْ يَقولَ:«تلَفَ أو ضاعَ يومَ كذا»، فتقولُ البَينةُ:«رَأيناه معَه بعدَ ذلك اليومِ»، أو تُقولُ الرُّفقةُ التي معَه في السَّفرِ:«ما سمِعْنا ذلك ولا رَأيناه»، وسَواءٌ في ذلك ما يُغابُ عليه وما لا يُغابُ.
قالَ الإمامُ ابنُ عبدِ البَرِّ ﵀: وقد اختَلفَ الفَقهاءُ في ضَمانِ العارِيةِ، فذهَبَ مالكٌ وأَصحابُه إلى أنَّ العارِيةَ أَمانةٌ غيرُ مَضمونةٍ إذا كانَت حَيوانًا أو ما لا يُغابُ عليه إذا لَم يَتعدَّ المُستَعيرُ فيه ولا ضيَّعَ، وكذلك ما يُغابُ عليه أَمانةٌ أيضًا إذا ظهَرَ هَلاكُه وصحَّ مِنْ غيرِ تَضييعٍ ولا تَعدٍّ، فإنْ خفِيَ هَلاكُه ضمِنَ، ولا يُقبَلُ قولُ المُستَعيرِ فيه إذا ادَّعى هَلاكَه وذَهابَه