عن المُستَعيرِ عندَ عدمِ الخِيانةِ، والمَعنى فيه أنَّه قبَضَ العَينَ للانتِفاعِ به بإذنٍ صَحيحٍ فلا يَكونُ مَضمونًا عليه كالمُستأجِرِ، وتَأثيرُه أنَّ وُجوبَ الضَّمانِ يَكونُ للجُبرانِ، وذلك لا يَتحقَّقُ إلا بعدَ تَفويتِ شيءٍ على المالكِ، وبالإذنِ الصَّحيحِ يَنعدمُ التَّفويتُ، ألَا تَرى أنَّ القبضَ في كونِه مُوجبًا للضَّمانِ لا يَكونُ فوقَ الإِتلافِ؟ ثُم الإِتلافُ بالإذنِ لا يَكونُ مُوجِبًا للضَّمانِ فالقبضُ أَولى، ولا يَجوزُ أنْ يَجبَ الضَّمانُ هناك باعتِبارِ العقدِ؛ لأنَّ العَقدَ عقدُ تَبرعٍ فلا يَكونُ عَقدَ ضَمانٍ كالهِبةِ.
والدَّليلُ عليه أنَّ ما تَناولَه العَقدُ وهو المَنفعةُ لا يَصيرُ مَضمونًا بهذا العَقدِ، فما لَم يَتناولْه العَقدُ أَولى، ولأنَّ العَقدَ على المَنفعةِ إذا كانَ بعِوضٍ -وهو الإِجارةُ- لا يُوجِبُ ضَمانَ العَينِ، وتَأثيرُ العِوضِ في تَقديرِ حُكمِ ضَمانِ العَقدِ، فإذا كانَ العَقدُ على المَنفعةِ مَقرونًا بالعِوضِ لا يُوجبُ الضَّمانَ فالمُتعرِّي عن العِوضِ كيفَ يُوجبُ الضَّمانَ؟
والدَّليلُ عليه أنَّه لو تلِفَ في الاستِعمالِ لَم يَضمَنْ، ولا يَجوزُ أنْ يُجعَلَ فعلُه كفعلِ المالكِ؛ لأنَّه استَعمَلَ لمَنفعةِ نَفسِه، ولكنْ إنَّما لا يَضمنُ لوُجودِ الإذنِ مِنْ المالكِ في الاستِعمالِ فكذلك للقَبضِ، وإنْ قالَ بحكمِ الإذنِ مِنْ المالكِ في الاستَعمالِ جعَلَ استِعمالُه كاستِعمالِ المالكِ، فبحُكمِ الإذنِ في القَبضِ والإِعطاءِ يَنبغي أنْ يُجعَلَ قَبضُه كقَبضِ المالكِ.
ولأنَّ الضَّمانَ إما أنْ يَجبَ بالعَقدِ أو بالقَبضِ أو بالإِذنِ، وليسَ هنا شيءٌ مِنْ ذلك، أما العَقدُ فلأنَّ اللَّفظَ الذي تَنعقدُ به العارِيةُ لا يُنبئُ عن