إذا أذِنَ له أنْ يَرهنَه بالكوفةِ لَم يَجزْ له أنْ يَرهنَه بالبصرةِ؛ لأنَّ التقييدَ بمكانٍ دونَ مكانٍ مُفيدٌ فيَتقيَّدُ بالمكانِ المذكورِ، وكذا إذا أذِنَ له أنْ يَرهنَه مِنْ إنسانٍ بعينِه لَم يَجزْ له أنْ يَرهنَه مِنْ غيرِه؛ لأنَّ الناسَ مُتفاوتونَ في المُعاملاتِ فكانَ التعيينُ مُفيدًا، فإنْ خَالفَ في شيءٍ مما ذكَرْنا فهو ضامنٌ له إذا هلَكَ؛ لأنَّه تصرُّفٌ في ملكِ الغيرِ بغيرِ إذنِه فصارَ غاصبًا، وهذا محلُّ اتفاقٍ بينَ الفَقهاءِ.
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: ويَنبغي أنْ يَذكرَ المُرتَهنَ، والقدرَ الذي يَرهنُه به، وجنسَه، ومدةَ الرهنِ؛ لأنَّ الضررَ يَختلفُ بذلك فاُحتِيجَ إلى ذكرِه كأصلِ الرهنِ، ومتى شرطَ شيئًا مِنْ ذلك فخالفَ ورهنَه بغيرِه لم يَصحَّ الرهنُ؛ لأنَّه لَم يُؤذَنْ له في هذا الرهنِ، فأشبَه مَنْ لَم يَأذنْ في أصلِ الرهنِ، قالَ ابنُ المنذرِ: أجمعَ أهلُ العلمِ على ذلك (١).
لكنَّهم اختلَفُوا فيما لو أذِنَ له أنْ يَرهنَه بعشرةٍ فرهَنَه بأقلَّ.
فقالَ الحَنفيةُ: لا يَصحُّ ولا يَجوزُ له أنْ يَرهنَه بأقلَّ ولا أكثرَ؛ لأنَّ المُتصرِّفَ بإذنِ يَتقيَّدُ تصرُّفُه بقدرِ الإذنِ، والإذنُ لَم يَتناولِ الزيادةَ فلَم يَكنْ له أنْ يَرهنَ بالأكثرِ ولا بالأقلِّ أيضًا؛ لأنَّ المَرهونَ مَضمونٌ والمالكُ إنَّما جعَلَه مضمونًا بالقدرِ، وقد يَكونُ له في ذلك غرضٌ صحيحٌ فكانَ التقييدُ به مفيدًا.
وقالَ الشافِعيةُ والحَنابلةُ: يَصحُّ؛ لأنَّ مَنْ أجازَ له الرهنَ بالأكثرِ أجازَ له الرهنَ بالأقلِّ.