للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَواءٌ، فلو منَعَهم المُقطَعَ كانَ بمَنعِه مُتعدِّيًا، وكانَ لِمَا أخَذَه مالكًا؛ لأنَّه مُتعَدٍّ بالمَنعِ لا بالأَخذِ، وكُفَّ عن المَنعِ وصُرفَ عن مُداومةِ العَملِ لئلَّا يَشتَبِه إِقطاعُه بالصِّحةِ أو يَصيرَ منه في حُكمِ الأَملاكِ المُستقِرَّةِ (١).

وقالَ الإمامُ الشافِعيُّ : وأصلُ المَعادنِ صِنفانِ: ما كانَ ظاهِرًا كالمِلحِ في الجِبالِ تَنتابُه الناسُ، فهذا لا يَصلُحُ لأحدٍ أنْ يَقطعَه بحالٍ والناسُ فيه شُرَّعٌ، وهكذا النَّهرُ والماءُ الظاهِرُ والنَّباتُ فيما لا يُملَكُ لأحدٍ، «وقد سألَ الأَبيضُ بنُ حَمالٍ النَّبيَّ أنْ يُقطِعَه مِلحَ مَأرَبَ، فأقطَعَه إيَّاه أو أرادَه فقيلَ له: إنَّه كالماءِ العِدِّ، فقالَ: فلا إذَن» قالَ: ومثلُ هذا كلُّ عينٍ ظاهِرةٍ كنفطٍ أو قيرٍ أو كِبريتٍ أو مُوميا أو حِجارةٍ ظاهِرةٍ في غيرِ ملكِ أحدٍ، فهو كالماءِ والكَلأِ، والناسُ فيه سَواءٌ.

قالَ الماوَرديُّ : وهذا صَحيحٌ، والمَعادنُ ضَربانِ: ظاهرةٌ وباطنةٌ، فأما الباطِنةُ: فيَأتي حُكمُها فيما بعدُ، وأما الظاهِرةُ: فهو كلُّ ما كانَ ظاهِرًا في مَعدِنِه يُؤخَذُ عفوًا على أَكملِ أَحوالِه كالمِلحِ والنّفطِ والقارِ والكِبريتِ والمُوميا والحِجارةِ، فهذه المَعادنُ الظاهرةُ كلُّها لا يَجوزُ للإمامِ أنْ يُقطِعَها، ولا لأحدٍ مِنْ المُسلِمينَ أن يَحجرَ عليها، والناسُ كلُّهم فيها شَرعٌ يَتساوونَ فيها، لا فَرقَ بينَ صَغيرِهم وكَبيرِهم، ذَكرِهم وأُنثاهم، مُسلمِهم وكافرِهم، رَوى ثابِتُ بنُ سَعدٍ عن أَبيه عن جَدِّه: أنَّ أَبيضَ بنَ حَمالٍ


(١) «تبيين الحقائق» (٦/ ٣٦)، و «العناية شرح الهداية» (١٤/ ٣١٤)، و «البحر الرائق» (٨/ ٢٤٠)، و «اللباب» (١/ ٦٨٣)، و «الدر المختار» (٦/ ٤٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>