للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِحياؤُه؛ لأنَّ في إِقطاعِه أكثرَ مِنْ ذلك تَضييقًا على الناسِ في حقٍّ مُشتَركٍ بينَهم بما لا فائِدةَ فيه، فإنْ فعَلَ ثُّم تَبيَّنَ عَجزَه عن إحيائِه استِرجعَه منه، كما استَرجعَ عُمرُ مِنْ بِلالِ بنِ الحارِثِ ما عجَزَ عن عِمارتِه مِنْ العَقيقِ الذي أقطَعَه إيَّاه رَسولُ اللهِ (١).

قالَ الإمامُ ابنُ عبدِ البَرِّ : وأما الإِقطاعُ فهو جائزٌ للإمامِ فيما لا ملكَ عليه لأحدٍ مِنْ مَواتِ الأرضِ، يُقطِعُه مِنْ رآه مِنْ أَهلِ الغِنى والنَّفعِ للمُسلِمينَ بنَفسِه أو عَملِه، وهو كالفيءِ يَضعُه حيثُ رآه فيما هو للمُسلِمينَ أعمُّ نَفعًا.

وينبَغي أنْ يَكونَ ذلك على قَدرِ ما يَقومُ به المَرءُ وعمَّالُه، وقد رُويَ عن أَبي بَكرٍ الصِّديقِ : «أنَّه قالَ لبِلالِ بنِ الحارثِ: أقطَعَك رَسولُ اللهِ ما لا تُطيقُه، فانظُرْ ما تُطيقُ منه فأمسِكْه، وأذِنَ لي في إِقطاعِ الباقِي مَنْ يَحتاجُ إليه. فأذِنَ له فأقطَعَ ما أخَذَ منه غيرُه» وليسَ هذا مِنْ فِعلِ أَبي بَكرٍ ردًّا لفِعلِ رَسولِ اللهِ ، ولو رَأى أنَّ له ردَّه ما استَأذنَ بِلالَ بنَ الحارِثِ، ولكنَّه رَأى أنَّ رَسولَ اللهِ لَم يَقفْ في حينِ الإِقطاعِ على قَدرِ ما أقطَعَ، ولو علِمَ مِنْ ذلك ما علِمَه أَبو بَكرٍ ما أقطَعَه ذلك كلَّه، ومع ذلك فإنَّه استَأذنَ بِلالًا، ولو لَم يَأذنْ له ما أخبَره وإنَّما أخَذَه بطِيبِ نَفسِه (٢).


(١) «المغني» (٥/ ٣٣٧، ٣٣٨)، و «كشاف القناع» (٤/ ٢٣٨)، و «روضة الطالبين» (٤/ ١٠٦)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٤٣٨).
(٢) «الاستذكار» (٣/ ١٤٦، ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>