وهذا كلُّه دِيانةً، فأما إذا أَحياها غيرُه قبلَ مُضيِّ هذه المُدةِ ملَكَها لتَحقُّقِ الإِحياءِ منه دونَ الأولِ، وصارَ كالاستِيامِ على سومِ أَخيه فإنَّه يُكرَه، ولو فعَلَ وعقَدَ جازَ العَقدُ.
ثُم التَّحجيرُ قد يَكونُ بغيرِ الحَجرِ، بأنْ غرَزَ حولَها أَغصانًا يابِسةً أو نقَّى الأرضَ وأحرَقَ ما فيها مِنْ الشَّوكِ، أو خضَدَ ما فيها مِنْ الحَشيشِ أو الشَّوكِ وجعَلَها حولَها وجعَلَ التُّرابَ عليها مِنْ غيرِ أنْ يتمَّ المُسْنَّاةَ ليَمنعَ الناسَ مِنْ الدُّخولِ، أو حفَرَ مِنْ بئرٍ ذِراعًا أو ذِراعينِ، وفي الأَخيرِ وردَ الخبَرُ.
ولو كرَبَها وسَقاها فعن مُحمدٍ أنَّه إِحياءٌ، ولو فعَلَ أحدَهما يَكونُ تَحجيرًا، ولو حفَرَ أَنهارَها ولَم يَسقِها يَكونُ تَحجيرًا، وإنْ سَقاها مع حَفرِ الأَنهارِ كانَ إِحياءً لوُجودِ الفِعلينِ، ولو حوَّطَها أو سنَّمَها بحيثُ يَعصمُ الماءَ يَكونُ إِحياءً؛ لأنَّه مِنْ جُملةِ البِناءِ، وكذا إذا بذَرَها (١).
وقالَ المالِكيةُ: لا يَكونُ الإِحياءُ بتَحويطٍ، بأنْ يَضربَ الرجلُ حدودًا بنحوِ خطٍّ بإِزاءِ ما يُريدُه مِنْ المَواتِ يُريدُ منَعَ الناسِ منه، وهو المُرادُ بالتَّحويطِ؛ لأنَّ التَّحجيرَ ليسَ فيه إِحياءٌ للأرضِ ولا مَنفعةٌ، وإنَّما هو مَنعٌ لغيرِه مِنْ التَّصرُّفِ فيها، وإلا فهي باقِيةٌ على صِفتِها قبلَ التَّحجيرِ، ولأنَّ الأَشياءَ المُباحةَ لا تُملكُ إلا بأَسبابِ الملكِ لها، وما دونَ ذلك مِنْ
(١) «الهداية» (٤/ ٩٩)، و «العناية» (١٤/ ٣١٢)، و «الاختيار» (٣/ ٨٤)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٢٠١)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٢٢٣)، و «اللباب» (١/ ٦٨٢)، و «الدر المختار» (٦/ ٤٣٣).