للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ثبَتَ هذا فإنَّ الأرضَ تُحيى دارًا للسُّكنَى وحَظيرةً ومَزرعةً، فإِحياءُ كلِّ واحدةٍ مِنْ ذلك بتَهيئَتِها للانتِفاعِ الذي أُرِيدَت له.

فأما الدارُ فبأنْ يَبنيَ حِيطانَها بما جرَتْ به العادةُ ويُسقِّفَها؛ لأنَّها لا تَكونُ للسُّكنَى إلا بذلك.

وأما الحظيرةُ فإِحياؤُها بحائطٍ جرَتْ به عادةُ مثلِها، وليسَ مِنْ شَرطِها التَّسقيفُ؛ لأنَّ العادةَ ذلكَ مِنْ غيرٍ تَسقيفٍ، وسَواءٌ أرادَها حَظيرةً للماشِيةِ أو للخَشبِ أو للحَطبِ أو نحوِ ذلك، ولو خَندَقَ عليها خَندقًا لَم يَكنْ إِحياءً؛ لأنَّه ليسَ بحائطٍ ولا عِمارةٍ، إنَّما هو حَفرٌ وتَخريبٌ، وإنْ حاطَها بشَوكٍ وشبهِه لَم يَكنْ إِحياءً وكانَ تَحجُّرًا؛ لأنَّ المُسافرَ قد يَنزلُ مَنزلًا ويُحوِّطُ على رحلِه بنحوٍ مِنْ ذلك، ولو نزَلَ مَنزلًا فنصبَ له بيتَ شعرٍ أو خَيمةً لم يَكنْ إِحياءً.

وإنْ أرادَها للزِّراعةِ فبأنْ يُهيِّئها لإِمكانِ الزَّرعِ فيها، فإنْ كانَت لا تُزرَعُ إلا بالماءِ فبأنْ يَسوقَ إليها ماءً مِنْ نَهرٍ أو بِئرٍ، وإنْ كانَت مما لا يُمكِنُ زَرعُها لكَثرةِ أَحجارِها كأرضِ الحِجازِ فبأنْ يَقلعَ أَحجارَها ويُنقِّيَها حتى تَصلُحَ للزَّرعِ، وإنْ كانَت غِياضًا وأَشجارًا كأرضِ الشّعرَى فبأنْ يَقلعَ أَشجارَها ويُزيلَ عُروقَها التي تَمنعُ الزَّرعَ، وإنْ كانَت مما لا يُمكنُ زَرعُه إلا بحَبسِ الماءِ عنها كأرضِ البَطائحِ التي يُفسدُها غَرقُها بالماءِ لكَثرتِه، فإِحياؤُها بسدِّ الماءِ عنها وجَعلِها بحالٍ يُمكنُ زَرعُها؛ لأنَّ بذلك يُمكنُ الانتِفاعُ بها فيما أرادَها، مِنْ غيرِ حاجةٍ إلى تَكرارِ ذلك في كلِّ عامٍ فكانَ إِحياءً كسَوقِ الماءِ إلى الأرضِ التي لا ماءَ لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>