ولا يُعتبَرُ في ذلك تَسقيفٌ، وذلك لمَا رَوى الحَسنُ عن سَمرةَ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ:«مَنْ أحاطَ حائِطًا على أرضٍ فهي له»(١) رواه أَبو داودَ والإمامُ أحمدُ في مُسندِه، ويُروَى عن جابرٍ عن النَّبيِّ ﷺ مثلُه، ولأنَّ الحائِطَ حاجِزٌ مَنيعٌ فكانَ إِحياءً أَشبَهَ ما لو جعَلَها حَظيرةً للغَنمِ، ويُبيِّنُ هذا أنَّ القَصدَ لا اعتِبارَ به، بدَليلِ ما لو أرادَها حَظيرةً للغَنمِ فبَناها بجصٍّ وآجُرٍّ وقسَمَها بُيوتًا فإنَّه يَملِكُها، وهذا لا يُصنَعُ للغَنمِ مثلُه، ولا بدَّ أنْ يَكونَ الحائطُ مَنيعًا يَمنعُ ما وراءَه، ويَكونُ مما جرَتِ العادةُ بمثلِه، ويَختلفُ باختلافِ البُلدانِ، فلو كانَ مما جرَتْ عادتُهم بالحِجارةِ وحدَها كأهلِ حَورانَ وفِلسطينَ، أو بالطينِ كالفَطائرِ لأهلِ غُوطةِ دِمشقَ، أو بالخَشبِ أو بالقَصبِ كأهلِ الغَورِ كانَ ذلك إِحياءً، وإنْ بَناه بأَرفعَ مما جرَتْ به عادتُه كانَ أَولى.
وقالَ القاضِي: في صِفةِ الإِحياءِ رِوايتانِ إحداهُما ما ذكَرْنا، والثانِي: الإِحياءُ ما تَعارفَه الناسُ إِحياءً؛ لأنَّ الشَّرعَ ورَدَ بتَعليقِ الملكِ على الإِحياءِ ولم يُبيِّنه ولا ذكَرَ كَيفيَّتَه، فيَجبُ الرُّجوعُ فيه إلى ما كانَ إِحياءً في العرفِ، كما أنَّه لمَّا ورَدَ باعتِبارِ القَبضِ والحرزِ ولم يُبيِّنْ كَيفيَّتَه كانَ المَرجعُ فيه إلى العرفِ، ولأنَّ الشارعَ لو علَّقَ الحكمَ على مُسمًّى باسمٍ لتعلَّقَ بمُسماه عندَ أهلِ اللِّسانِ، فكذلك يَتعلَّقُ الحُكمُ بالمُسمَّى إِحياءً عندَ أهلِ العُرفِ، ولأنَّ النَّبيَّ ﷺ لا يُعلِّقُ حُكمًا على ما ليسَ إلى مَعرفتِه طَريقٌ، فلمَّا لَم يُبيِّنْه تَعيَّنَ العُرفُ طَريقًا لمَعرفتِه؛ إذ ليسَ له طَريقٌ سِواه.
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٠٧٧)، وأحمد (٢٠٢٥١).