للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُسلمينَ بعدَهُم كالوَليدِ والمَنصورِ والمَهديِّ فَعَلوا مثلَ ذلكَ بمَسجدِ الحَرَمينِ، وفعَلَ ذلكَ الوَليدُ بمَسجدِ دِمشقَ وغيرِها مع مَشورةِ العُلماءِ في ذلكَ وإقرارِهِم.

حتى أفتَى مالكٌ وغَيرُه بأنْ يُشتَرى الوَقفُ المُجاوِرُ للمَسجدِ ويُعوَّضَ أهلُه عنه، فجَوَّزوا بَيعَ الوَقفِ والتَّعويضَ عنه لمَصلحةِ المَسجدِ لا لمَصلحةِ أهلِه، فإذا بِيعَ وعُوِّضَ عنه لمَصلحةِ أهلِه كانَ أَولَى بالجَوازِ.

فإنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ خرَّبَ المَسجدَ الأولَ -مَسجدَ الجامعِ الذي كانَ لأهلِ الكُوفةِ- وجعَلَ بدَلَه مَسجدًا في مَوضعٍ آخَرَ مِنْ المَدينةِ، وصارَ مَوضِعُ المَسجدِ الأولِ سُوقَ التَّمارينِ، وقالَ أصحابُ أحمدَ: هذا يَقتضِي إجماعَ الصَّحابةِ عليها، قالَ ابنُ عَقيلٍ: وهذا كانَ مع تَوفُّرِ الصَّحابةِ فهو كالإجماعِ؛ إذْ لم يُنكِرْ أحَدٌ ذلكَ مع كَونِهم لا يَسكُتونَ عن إنكارِ ما يَعُدُّونَه خَطأً، لأنهُم أنكَروا على عُمرَ النَّهيَ عن المُغالاةِ في الصَّدقاتِ حتى رَدَّتْ عليه امرَأةٌ، ورَدُّوه عن أنْ يَحُدَّ الحامِلَ، فقالوا: «إنْ جعَلَ اللهُ لكَ على ظَهرِها سَبيلًا فما جعَلَ لكَ على ما في بَطنِها سَبيلًا»، وأنكَروا على عُثمانَ في إتمامِ الصَّلاةِ في الحَجِّ حتى قالَ: «إني دَخَلتُ بَلدًا فيهِ أهلِي»، وعارَضوا عَليًّا حينَ رَأى بَيعَ أمَّهاتِ الأولادِ، فلو كانَ نَقلُ المَسجدِ مُنكَرًا لَكانَ أحَقَّ بالإنكارِ؛ لأنه أمرٌ ظاهِرٌ فيهِ شَناعةٌ.

واحتَجَّ أيضًا بما رَوَى أبو حَفصٍ في المَناسِكِ عن عائِشةَ أنه قيلَ لَها: «يا أمَّ المُؤمِنينَ إنَّ كِسوةَ الكَعبةِ قد يُداوَلُ عليها، فقالَتْ: تُباعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>