ويُجعَلُ ثَمنُها في سَبيلِ الخيرِ» (١)، فأمَرَتْ عائِشةُ ببَيعِ كِسوةِ الكَعبةِ مع أنها وَقفٌ، وصُرفَ ثَمنُها في سَبيلِ الخيرِ؛ لأنَّ ذلكَ أصلَحُ للمُسلمينَ.
وهكذا قالَ مَنْ رَجَّحَ قَولَ ابنِ حامِدٍ في وَقفِ الاستِغلالِ كأبي مُحمدٍ قالَ: وإنْ لم تَتعطَّلْ مَنفعةُ الوَقفِ بالكُليَّةِ لكن قَلَّتْ أو كانَ غَيرُه أنفَعَ منه وأكثَرَ رَدًّا على أهلِ الوَقفِ لم يَجُزْ بَيعُه؛ لأنَّ الأصلَ تَحريمُ البَيعِ، وإنَّما أُبيحَ للضَّرورةِ؛ صِيانةً لمَقصودِ الوَقفِ عن الضَّياعِ مع إمكانِ تَحصيلِه، ومَعَ الانتفاعِ به وإنْ قُلنَا يَضيعُ المَقصودُ اللَّهمَّ إلَّا أنْ يَبلغَ مِنْ قلَّةِ النَّفعِ إلى حَدٍّ لا يُعَدُّ نَفعًا، فيَكونُ وُجودُ ذلكَ كالعَدمِ.
فيُقالُ: ما ذَكَروهُ مَمنوعٌ، ولم يَذكُروا عليه دَليلًا شَرعيًّا ولا مَذهبيًّا، وإنْ ذَكَروا شيئًا مِنْ مَفهومِ كَلامِ أحمدَ أو مَنطوقِه فغايَتُه أنْ يَكونَ رِوايةً عنهُ قد عارَضَها رِوايةٌ أخرَى عنه هي أشبَهُ بنُصوصِه وأُصولِه، وإذا ثبَتَ في نُصوصِه وأُصولِه جَوازُ إبدالِ المَسجدِ للمَصلحةِ الرَّاجحةِ فغَيرُه أَولَى، وقد نَصَّ على جَوازِ بَيعِ غَيرِه أيضًا للمَصلحةِ لا للضَّرورةِ كما سَنذكُرهُ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
(١) رواهُ الأزرقيُّ في «أخبَار مكَّةَ» (٥/ ٢٣١) عن عَلقمةَ ابن أبي عَلقمةَ عن أمِّه عن عائِشةَ ﵂ قالَتْ: «دخَلَ عليَّ شَيبةُ الحجبيُّ فقالَ: يا أمَّ المُؤمنينَ إنَّ ثِيابَ الكَعبةِ تَجتمعُ عندَنا فتَكثرُ، فنَنزعُها ونَحفرُ بئارًا فنُعمِّقُها ونَدفنُها لكِي لا تَلبسَها الحائضُ والجُنبُ، قالَتْ: بِئسَما صَنعتَ، ولكنْ بِعْها فاجعَلْ ثمَنَها في سَبيلِ اللهِ وفي المَساكينِ، فإنها إذا نزَعْتَ عنها لَم يَضرَّ مَنْ لَبِسَها مِنْ حائِضٌ أو جُنبٍ».