الأدلَّةُ الشَّرعيةُ وأقوالُ صاحِبِ المَذهبِ على خِلافِ ذلكَ، وقد قالَ أحمدُ: إذا كانَ المَسجدُ يَضيقُ بأهلِه فلا بَأسَ أنْ يُحوَّلَ إلى مَوضعٍ أوسَعَ منه، وضِيقُه بأهلِه لم يُعطِّلْ نفْعَه، بل نَفعُه باقٍ كما كانَ، ولكنَّ الناسَ زادُوا وقد أمكَنَ أنْ يُبنَى لهم مَسجدٌ آخَرُ، وليسَ مِنْ شَرطِ المَسجدِ أنْ يَسَعَ جَميعَ الناسِ، ومع هذا جَوَّزَ تَحويلَه إلى مَوضعٍ آخَرَ؛ لأنَّ اجتِماعَ الناسِ في مَسجدٍ واحِدٍ أفضَلُ مِنْ تَفريقِهم في مَسجدَينِ؛ لأنَّ الجَمعَ كلَّما كَثُرَ كانَ أفضَلَ؛ لقَولِ النبيِّ ﷺ:«إنَّ صلاةَ الرَّجلِ مع الرَّجلِ أَزكَى مِنْ صَلاتِه وحْدَه، وصَلاتُه مع الرَّجلَينِ أَزكَى مِنْ صَلاتِه مع الرَّجلِ، وما كَثُرَ فهو أحَبُّ إلى اللهِ تعالَى»(١) رَواهُ أبو داودَ وغيرُه.
وهذا مع أنه يَجوزُ بناءُ مَسجدٍ آخَرَ إذا كَثُرَ الناسُ وإنْ كانَ قَريبًا، مع مَنعِه لبِناءِ مَسجدِ ضِرارٍ، قالَ أحمدُ في رِوايةِ صالحٍ: لا يُبنَى مَسجدٌ يُرادُ به الضِّرارُ لمَسجدٍ إلى جانِبِه فإنْ كَثُرَ الناسُ فلا بَأسَ أنْ يُبنَى وإنْ قَرُبَ، فمعَ تَجويزِه بِناءَ مَسجدٍ آخَرَ عندَ كَثرةِ الناسِ وإنْ قَرُبَ أجازَ تَحويلَ المَسجدِ إذا ضاقَ بأهلِه إلى أوسَعَ منه؛ لأنَّ ذلكَ أصلَحُ وأنفَعُ لا لأجلِ الضَّرورةِ.
ولأنَّ الخُلَفاءَ الراشِدِينَ عُمرَ وعُثمانَ ﵄ غَيَّرا مَسجدَ النبيِّ ﷺ، وأمَرَ عُمرُ بنُ الخطَّابِ بنَقلِ مَسجدِ الكُوفةِ إلى مَكانٍ آخَرَ، وصارَ الأولُ سُوقَ التَّمَّارينِ للمَصلحةِ الراجِحةِ لا لأجلِ تَعطُّلِ مَنفعةِ تلكَ المَساجدِ، فإنه لم يَتعطَّلْ نَفعُها، بل ما زالَ باقيًا، وكذلكَ خُلَفاءُ