وذهَبَ المالِكيةُ -خِلافًا لابنِ الحاجِبِ- إلى جَوازِ وَقفِ المَنفعةِ، فليسَ مِنْ شَرطِ الوَقفِ أنْ تَكونَ رَقبَتُه مَملوكَةً للواقِفِ، بل يَجوزُ استِئجارُ دارٍ مُدَّةً مَعلومةً لوَقفِ مَنفعتِها في تلكَ المدَّةِ، ويَنقضَي الوَقفُ بانقِضائِها؛ لأنه لا يُشترطُ فيهِ التَّأبيدُ ولو كانَتِ الدارُ المُستأجَرةُ مَوقوفةً، فمَن استَأجَرَ دارًا مُحبَّسةً مدَّةً فله تَحبيسُ مَنفعتِها على مُستحِقٍّ آخَرَ غيرِ الأوَّلِ في تلكَ المُدَّةِ، وأمَّا المُحبَّسُ عليه فليسَ له تَحبيسُ المَنفعةِ التي يَستحِقُّها؛ لأنه لا يَمتلِكُها؛ لأنَّ المَوقوفَ عليه إنما يَملكُ الانتفاعَ لا المَنفعةَ (١).
وسَببُ اختِلافِهم: هل يُشترَطُ في الوَقفِ التَّأبيدُ أم لا؟
فمَن قالَ: يُشترطُ في الوَقفِ التَّأبيدُ -وهُم الجُمهورُ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ كما تقدَّمَ- قالوا: لا يَجوزُ وَقفُ العينِ المُؤجَّرةِ.
ومَن قالَ أنه لا يُشترطُ في الوَقفِ التَّأبيدُ -وهُم المالِكيةُ- قالوا: يَصحُّ وَقفُ المَنفعةِ، بأنْ يَستأجِرَ دارًا مُدَّةً مَعلومةً ويُوقِفَ مَنفعتَها في تلكَ المدَّةِ، ويَنقضِي الوَقفُ بانقِضائِها.
وقد تَقدَّمَتِ المَسألةُ بتَمامِها في وَقفِ العينِ المُؤجَّرةِ.
(١) «المختصر الفقهي» (١٣/ ١٠)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٤٥٦)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٤٧٨، ٤٧٩)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٥٦١)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ٧٩)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٦٤١).