للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَقفَ نَوعٌ مِنْ التَّمليكِ في المَنافعِ أو الأعيانِ، فجازَ أنْ يَعُمَّ أو يَخُصَّ كالعَواري والهِباتِ والوَصايا (١).

وقالَ الدُّسوقِيُّ : مَذهبُنا أنَّ الوَقفَ إذا كانَ فيهِ انقِطاعٌ في أولِه أو آخِرِه أو وَسطِه يَبطلُ فيما لا يَجوزُ الوَقفُ عليه ويَصحُّ فيما يَصحُّ الوَقفُ عليه إنْ حصَلَ منه حَوزٌ قبلَ حُصولِ المانِعِ للوَقفِ، ولا يَضرُّ الانقِطاعُ؛ لأنَّ الوَقفَ نَوعٌ مِنْ التَّمليكِ في المَنافعِ فجازَ أنْ يُعمِّمَ فيه أو يَخُصَّ كالعَواري والهِباتِ والوَصايا (٢).

وقالَ الشافِعيةُ في الأظهَرِ: لو قالَ: «وَقَفتُ على أولادي، أو على زَيدٍ ثم نَسلِه» ونَحوِه ممَّا لا يَدومُ ولم يَزِدْ على ذلكَ مَنْ يُصرَفُ إليهِ بعدَهم فالأظهَرُ صِحةُ الوَقفِ؛ لأنَّ مَقصودَ الوَقفِ القُربةُ والدَّوامُ، وإذا بيَّنَ مَصرفَه ابتِداءً سَهلَ إدامَتهُ على سَبيلِ الخيرِ، ويُسمَّى مُنقطعَ الآخِرِ، ويُصرَفُ الوَقفُ على المَوقوفِ عليهم ما داموا.

فإذا انقَرَضوا -ومِثلُه الجَهلُ بأربابِ الوَقفِ- ففيهِ ثلاثةُ أقوالٍ:

أحَدُها: يُصرَفُ إلى المَساكينِ؛ لأنهم هم الذينَ يَؤولُ إليهِم الوَقفُ الصَّحيحُ في الانتِهاءِ.

والثَّاني: أنه يَرجعُ مِلكًا إلى الواقفِ إنْ كانَ باقيًا، أو إلى وارِثِه إنْ كانَ مَيتًا؛ لأنه جعَلَه وَقفًا على ما سمَّاه، فلا يَجوزُ أنْ يَكونَ وَقفًا على غيرِه، فرجَعَ إلى الواقفِ.

والثالثُ -وهو الصَّحيحُ في المَذهبِ-: أنه يُنقلُ إلى أقرَبِ الناسِ بالواقفِ؛ لأنَّ مِلكَه قد زالَ عنه على وَجهِ القُربةِ، فلم يَعُدْ إليه، كما لو أعتَقَ عَبدًا، وإذا لم يَعُدْ مِلكُه إليهِ كانَ أقارِبُه بعدَ مَنْ سَمَّاه أَولَى؛ لأنه قصَدَ جِهةَ الثَّوابِ، وأَولَى جِهاتِ الثَّوابِ أقارِبُه؛ لقَولِه :


(١) «الذخيرة» (٦/ ٣٣٩)، و «الفواكه الدواني» (٢/ ١٦٢)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ٨٤)، و «حاشية الصاوي» (٩/ ١٥٩).
(٢) «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٥/ ٤٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>