قالَ الدُّسوقيُّ ﵀: قَولُه: (وبطَلَ على مَعصيةٍ) أي: ويَصيرُ ذلكَ المَوقوفُ مالًا مِنْ أموالِ الواقفِ يَملكُه ويُورَثُ عنه، لا أنه يَرجعُ مَراجِعَ الأحباسِ لأقربِ فُقراءِ عَصَبةِ المُحبِّسِ وإلى امرأةٍ لو كانَتْ رَجلًا عَصَّبتْ، ومُفهومُ «مَعصيةٍ» صحَّتُه على مَكروهٍ، وصُرِفتْ غَلتُه لتلكَ الجهةِ التي وُقِفَ عليها، وهو كذلكَ ولو اتُّفقَ على كراهَتِه، كما جَزَمَ به الشَّيخُ كَريمُ الدِّينِ، كما لو وقَفَ على مَنْ يُصلِّي رَكعتَينِ بعد العَصرِ، أو لمَن يَعملُ ذِكرًا يَلزمُ عليه رَفعُ الصَّوتِ في المَسجدِ، وكالوَقفِ على فَرشِ المَسجدِ بالبُسطِ، وقالَ بَعضُهم في المُتفَقِ على كَراهتِه: تُصرَفُ غَلةُ الوَقفِ في جهةٍ قَريبةٍ مِنْ الجِهةِ التي وقفَ عليها.
قولُه:(ويَدخلُ فيهِ … إلخ) ما ذكَرَه مِنْ بُطلانِ وَقفِ الذِّميِّ على الكَنيسةِ مُطلَقًا هو المُعتمَدُ، ولابنِ رُشدٍ قولٌ ثانٍ.
وحاصِلُه أنَّ وقْفَ الكافرِ على عُبَّادِ الكَنيسةِ باطِلٌ؛ لأنه مَعصيةٌ، وأمَّا على مَرمَّتِها أو على الجَرحى أو المَرضَى التي فيها فالوَقفُ صَحيحٌ مَعمولٌ به، فإذا أرادَ الواقفُ أو الأسقُفُ بيعَه ونُوزعَ في ذلكَ وترافَعوا إلينا راضِينَ بحُكمِنا فإنَّ للحاكِمِ أنْ يَحكمَ بينَهُم بحُكمِ الإسلامِ مِنْ صِحةِ الحَبسِ وعَدمِ بَيعهِ.
ولعِياضٍ قَولٌ ثالِثٌ: وهو أنَّ الوَقفَ على الكَنيسةِ مُطلَقًا صَحيحٌ غيرُ لازِمٍ، سَواءٌ أشهَدُوا على ذلكَ الوَقفِ أم لا، بانَ مِنْ تحتِ يَدِ الواقفِ أم لا، وللواقِفِ الرُّجوعُ فيه مَتى شاءَ (١).
(١) «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٥/ ٤٥٩، ٤٦٠)، ويُنظَر: «وشرح مختصر خليل» (٧/ ٨٢)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٩/ ١٦٢).