للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الشافِعيةُ: وإنْ وقَفَ مُسلمٌ أو ذمِّيٌّ على جِهةِ مَعصيةٍ كعِمارةِ الكَنائسِ ونَحوِها مِنْ مُتعبَّداتِ الكفَّارِ للتعبُّدِ فيها أو حُصرِها أو قَناديلِها أو خُدَّامِها -لأنَّ خدمتها مِنْ عِمارتِها- أو كُتبِ التَّوراةِ والإنجيلِ أو السِّلاحِ لقُطَّاعِ الطريقِ فباطِلٌ بلا خِلافٍ؛ لأنه إعانةٌ على مَعصيةٍ، والوَقفُ شُرعَ للتقرُّبِ، فهُما مُتضادَّانِ، وسواءٌ فيه إنشاءُ الكَنائسِ وتَرميمُها؛ لأنها مَجامِعُ الكُفرِ ومَشاتِمُ الرَّسولِ ، وسَواءٌ مُنِعوا مِنْ ذلك أم لا، بأنْ تَكونَ في بلادٍ فُتِحتْ صُلحًا على أنْ تَكونَ رِقابُها لهم.

وكذا لو وقَفَ على حُصرِها وسُرجِها وكُتبِ التَّوراةِ والإنجيلِ؛ لأنهمْ حَرَّفوا وبَدَّلوا، ولا فرْقَ في ذلكَ بينَ أنْ يَكونَ الواقفُ مُسلمًا أو ذِميًّا.

قالَ الشِّربينيُّ : ولا يُعتبَرُ تَقييدُ ابنِ الرِّفعةِ عدَمَ صِحَّةِ الوَقفِ على التَّرميمِ بمَنعِه، فقدْ قالَ السُّبكيُّ أنه وَهمٌ فاحِشٌ؛ لاتِّفاقِهم على أنَّ الوَقفَ على الكَنائِسِ باطِلٌ وإنْ كانَتْ قَديمةً قبلَ البِعثةِ، فإذا لم نُصحِّحِ الوَقفَ عليها ولا على قَناديلِها وحُصرِها فكيفَ نُصحِّحُه على تَرميمِها؟! وإذا قُلنا ببُطلانِ وَقفِ الذِّميِّ على الكَنائِسِ ولم يَترافَعوا إلينا لم نَتعرَّضْ لهم، حيثُ لا يُمنَعونَ مِنْ الإظهارِ، فإنْ تَرافَعوا إلينا أبطَلْناهُ وإنْ أنفَذَه حاكِمُهم، لا ما وَقَفوهُ قبلَ المَبعَثِ على كَنائسِهم القَديمةِ فلا نُبطِلُه، بل نُقِرُّه حيثُ نُقِرُّها.

أمَّا عِمارةُ كَنائِسِ غيرِ التعبُّدِ ككنائسِ نُزولِ المارَّةِ فيَصحُّ الوَقفُ عليها كما قالَهُ الزَّركشيُّ وابنُ الرِّفعةِ وغَيرُهما كالوَصيةِ (١).


(١) «مغني المحتاج» (٣/ ٤٥٩)، و «البيان» (٨/ ٦٤)، و «روضة الطالبين» (٤/ ١٣٨، ١٣٩)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٤٢٢، ٤٢٣)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٤٦٩)، و «الديباج» (٢/ ٥١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>