للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ الهُمامِ : ولا نَعلمُ أحَدًا مِنْ أهلِ المَذهبِ تعَقَّبَه غيرَ مُتأخِّرٍ يُسمَّى الطَّرطوسيَّ شَنَّعَ بأنه جعَلَ الكُفرَ سبَبَ الاستِحقاقِ والإسلامَ سبَبَ الحِرمانِ، وهذا للبُعدِ مِنْ الفِقهِ؛ فإنَّ شَرائطَ الواقفِ مُعتبَرَةٌ إذا لم تُخالِفِ الشرعَ، والواقفُ مالِكٌ له أنْ يَجعلَ مالَه حيثُ شاءَ ما لم يَكنْ مَعصيةً، وله أنْ يَخُصَّ صِنفًا مِنْ الفُقراءِ دونَ صِنفٍ وإنْ كانَ الوَضعُ في كلِّهم قُربةً، ولا شَكَّ أنَّ التَّصدقَ على أهلِ الذِّمةِ قُربةٌ، حتى جازَ أنْ تُدفَعَ إليهمْ صَدقةُ الفِطرِ والكفَّاراتُ عندَنا، فكيفَ لا يُعتبَرُ شَرطُه في صِنفٍ دونَ صِنفٍ مِنْ الفُقراءِ؟! أرَأيتَ لو وقَفَ على فُقراءِ أهلِ الذِّمةِ ولم يَذكرْ غيرَهم أليسَ يُحرَمُ منه فُقراءُ المُسلِمينَ؟! ولو دفَعَ المُتولِّي إلى المُسلمينَ كانَ ضامِنًا؟! فهذا مِثلُه، والإسلامُ ليس سَببًا للحِرمانِ، بل الحِرمانُ لعَدمِ تَحقُّقِ سَببِ تَملُّكِه هذا المالَ، والسَّببُ هو إعطاءُ الواقفِ المالِكِ (١).

وشَرطُ صِحةِ وَقفِه أنْ يَكونَ قُربَةً عندَنا وعندَهُم، فإذا وقَفَ على بيعَةٍ فإذا خَرِبتْ كانَ للفُقراءِ لم يَصحَّ وكانَ مِيراثًا عنه؛ لأنه ليس بقُربةٍ عندَنا كالوَقفِ على الحَجِّ أو العُمرةِ؛ لأنه ليس بقُربةٍ عندَهُم، بخِلافِ ما لو وقَفَ على مَسجدِ بَيتِ المَقدِسِ فإنه صَحيحٌ؛ لأنه قُربةٌ عندَنا وعندَهُم.

وفي «الحاوِي»: لو وقَفَ المَجوسِيُّ على بَيتِ النارِ واليَهوديُّ والنَّصرانِيُّ على البيعَةِ والكَنيسةِ باطِلٌ إذا كانَ في عَهدِ الإسلامِ، وما كانَ


(١) «شرح فتح القدير» (٦/ ٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>