وقالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ ﵀: ومَن وقَفَ وَقفًا مُستقِلًّا، ثم ظهَرَ عليه دَينٌ ولم يُمكِنُ وَفاءُ الدَّينِ إلا ببَيعٍ شيءٍ مِنْ الوَقفِ وهو في مَرضِ المَوتِ بِيعَ باتِّفاقٍ العُلماءِ.
وإنْ كانَ الوَقفُ في الصِّحةِ فهل يُباعُ لوَفاءِ الدَّينِ؟ فيهِ خِلافٌ في مَذهبِ أحمدَ وغَيرِه، ومَنعُه قَويٌّ، -وظاهِرُ كَلامِ أبي العَبَّاسِ ولو كانَ الدَّينُ حادِثًا بعدَ الوَقفِ، وليسَ هذا بأبلَغَ مِنْ التَّدبيرُ، وقد ثبَتَ أنَّ النبيَّ ﷺ باعَ على المُدبَّرِ في الدَّينِ، واللهُ أعلَمُ.
وإذا وقَفَ الواقفُ وعليه دَينٌ مُستغرِقٌ وأُثبِتَ عندَ حاكمٍ ولم يَتعرَّضْ لصِحةِ الوَقفِ ولم يعلَمِ المَوقوفُ عليهم، ثم ماتَ الواقفُ فرَدَّ المَوقوفَ إلى المَوقوفِ عليهم وطلَبَ أربابُ الدُّيونِ دَينَهم ورُفعَتِ القِصةُ إلى حاكِمٍ يَرى بُطلانَ هذا الوَقفِ مِنْ جِهةِ شَرطِ النَّظرِ لنَفسِه وكَونِه يَستغرِقُ الذِّمةَ بالدَّينِ وكَونِه لم يُخرِجْه مِنْ يَدِه، فهل يَجوزُ نَقضُه؟
فيُقالُ: حُكمُ الحاكِمِ بما قامَتْ به البيِّنةُ والقَضاءُ بمَوجبِه والإلزامُ بمُقتَضاهُ لا يَمنعُ الحاكِمَ الثانِيَ الذي عندَه أنَّ الواقفَ كانَتْ ذِمتُه مَشغولةً بالدُّيونِ حينَ الوَقفِ أنْ يَحكمُ بمَذهبِه في بُطلانِ هذا الوَقفِ وصَرفِ المالِ إلى الغُرماءِ المُستحِقِّينَ للوَفاءِ، فإنَّ الحاكِمَ الأولَ في وُجوهِ هؤلاءِ الخُصومِ ونُوَّابِهم لا يَتضمنُ حُكمُه عمَلَهُ بهذا الفَصلِ المُختلَفِ فيهِ، وإذا صادَفَ حُكمُه مُختلَفًا فيه لم يَعلمْه ولم يَحكمْ فيهِ جازَ نَقضُه (١).