للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيقافًا، وقالَ أبو الخطَّابِ: قَولُ الخِرقِيِّ هذا يَدلُّ على جَوازِ تَعليقِ الوَقفِ على شَرطٍ.

ولنا: على صحَّةِ الوَقفِ بالمُعلَّقِ بِالمَوتِ ما احتَجَّ به الإمامُ أحمدُ أنَّ عُمرَ وَصَّى فكانَ في وَصيَّتِه: «هذا ما أَوصَى به عَبدُ اللهِ عُمرُ أميرُ المُؤمِنينَ إنْ حدَثَ به حَدثٌ أنَّ ثَمْغًا صَدقةٌ» وذكَرَ بَقيَّةَ الخبَرِ، وقد ذكَرْناهُ في غيرِ هذا المَوضعِ، ورَواهُ أبو داودَ بنَحوٍ مِنْ هذا، وهذا نَصٌّ في مَسألتِنا، ووَقفُه هذا كانَ بأمرِ النبيِّ ؛ لأنه اشتَهرَ في الصَّحابةِ فلم يُنكَرْ، فكانَ إجماعًا، ولأنَّ هذا تَبرعٌ مُعلَّقٌ بالمَوتِ، فصَحَّ كالهِبةِ والصَّدقةِ المُطلَقةِ، أو نَقولُ: صَدقةٌ مُعلَّقةٌ بالمَوتِ، فأشبَهتْ غيرَ الوَقفِ، ويُفارِقُ هذا التَّعليقَ على شَرطٍ في الحَياةِ؛ بدَليلِ الهِبةِ المُطلَقةِ والصَّدقةِ وغيرِهما؛ وذلكَ لأنَّ هذا وَصيةٌ والوَصيةُ أوسَعُ مِنْ التصرُّفِ في الحَياةِ؛ بدَليلِ جَوازِها بالمَجهولِ والمَعدومِ وللمَجهولِ وللحَملِ وغيرِ ذلكَ، وبهذا يَتبيَّنُ فَسادُ قِياسِ مَنْ قاسَ على هذا الشَّرطِ بَقيةَ الشروطِ (١).

وأمَّا الشافِعيةُ فيَرَونَ أنه كالوَصيةِ، له الرُّجوعُ فيها.

قالَ شَمسُ الدِّينِ الرَّمليُّ : فإنْ علَّقَه بالمَوتِ ك: «وَقَفتُ دارِي بعد مَوتِي على الفُقراءِ» فإنهُ يَصحُّ، قالَه الشَّيخانِ، وكأنه وَصيةٌ؛ لقَولِ القَفَّالِ: لو عرَضَها للبَيعِ كانَ رُجوعًا، ويُفرَّقُ بينَه وبينَ المُدبَّرِ بأنَّ الحَقَّ المُتعلِّقَ به -وهو العِتقُ- أَقوَى، فلمْ يَجُزِ الرُّجوعُ عنهُ إلا بنَحوِ البَيعِ


(١) «المغني» (٥/ ٣٦٥، ٣٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>