والثاني: أنه لا فرْقَ بينَه وبينَ الثَّمرةِ، وقد ثبَتَ أنَّ الثَّمرةَ تَخرجُ عن مِلكِه إلى مِلكِ المَوقوفِ عليهم، فدَلَّ على أنَّ الأصلَ لا يَكونُ مِلكًا لهم؛ لأنه لو كانَ مِلكًا لهم لم يَجُزْ فيه شَرطُ المَنعِ مِنْ البَيعِ والهِبةِ والتَّصرفِ، ولا صَرفُه إلى وَجهٍ آخَرَ بعد مَوتِهم، ولأنه كانَ يَجوزُ لهما أنْ يَتقارَّا على فَسخِه، وذلكَ باطِلٌ.
ودَليلُنا على أنه لا يَجوزُ أنْ يَكونَ انتَقلَ إلى غَيرِ مالكٍ أنَّ كُلَّ ما لا يَصحُّ عِتقُه ولا بَيعُه فلا بُدَّ له مِنْ مالكٍ؛ اعتِبارًا بالحَيوانِ والعُروضِ (١).
قالَ الكَمالُ بنُ الهُمامِ ﵀: وعندَ مالكٍ هو حَبسُ العَينِ على مِلكِ الواقفِ، فلا يَزولُ عنه مِلكُه، لكنْ لا يُباعُ ولا يُورثُ ولا يُوهَبُ، وذكرَ بَعضُ الشافِعيةِ أنَّ هذا قَولٌ آخَرُ للشافِعيِّ وأحمَدَ؛ لأنه ﷺ قالَ:«حَبِّسِ الأصلَ وسَبِّلِ الثَّمرةَ».
وهذا أحسَنُ الأقوالِ، فإنَّ خِلافَ الأصلِ والقِياسِ ثابتٌ في كُلٍّ مِنْ القَولينِ، وهو خُروجُه لا إلى مالكٍ وثُبوتُ مِلكِه أو مِلكِ غيرِه فيه مع مَنعِه مِنْ بَيعِه وهِبتِه، وكلٌّ منهُما له نَظيرٌ في الشرعِ، فمِن الأولِ المَسجدُ وغيرُه، ومِن الثاني أمُّ الوَلدِ يَكونُ المِلكُ فيها باقيًا ولا تُباعُ ولا تُوهبُ ولا تُورثُ، وكذا المُدبَّرُ المُطلَقُ عندَنا، فكلٌّ منهُما يُمكِنُ أنْ يقَعَ بالدَّليلِ، ولا شَكَّ أنَّ